السرايا والبعوث النبوية حول المدينة ومكة
الناشر
دار ابن الجوزي
رقم الإصدار
الأولى-جمادى الأول-١٤١٧ هـ
سنة النشر
١٩٩٦ م
تصانيف
حتى إذا ما أخذوا قسطًا وافرًا من النوم أوَّل الليل إلى الثلث الأخير منه، قام معظمهم لأداء صلاة التهجد التي تملأ قلوبهم روحانية وتكسبهم مزيدًا من النشاط لأدائها في وقت يكون الجسم فيه مرتاحًا. فبالإضافة إلى أن حركات الصلاة حركات تدريبية رياضية لكل أعضاء الجسم، فإن في الروحانية المتمثلة في اتصال العبد مع خالقه ﷿ في خشوع وطمأنينة، رياضة إضافية للنفس تملؤها إيمانًا ويقينًا، هذا بالإضافة إلى الاستعداد الدائم واليقظة التامَّة امتثالًا لقوله تعالى ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ ١.
فكانوا دائمًا يقومون بنشاطات تدريبية مركَّزة تتمثَّل في ركوب الخيل، والسبق، والرماية، وكان النبي ﷺ يحثُّهم على فعل ذلك، بل ويشاركهم فيه، معطيًا من نفسه القدوة، فكان يبزُّ الشباب من الصحابة قوة ومهارة ونشاطًا وحيوية، فعن سلمة بن الأكوع ﵁: "أنّ رسول الله ﷺ مرَّ على ناس يتنضَّلون٢، فقال: حسن هذا اللهم – مرتين أو ثلاثًا – ارموا وأنا مع ابن الأدرع، فأمسك القوم بأيديهم، فقالوا: لا والله لا نرمي معه وأنت معه يا رسول الله إذًا ينضلنا. فقال: ارموا وأنا معكم جميعًا، فقال: لقد رموا عامة يومهم ذلك ثمَّ تفرقوا على السواء ما نضل بعضهم بعضًا"٣.
وكان ﷺ يركِّز على تعلم الرماية كثيرًا موضِّحًا أنها خير ما يعدُّ من قوة استعدادية للكفار، عن عقبة بن عامر ﵁ قال: "سمعت رسول الله ﷺ يقول وهو على المنبر ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي" ٤.
_________
١ سورة الأنفال: (٦٠) .
٢ التناضل،الترامي للسبق.
٣ أخرجه أحمد، والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح. ووافقه الذهبي.
انظر البنا، الفتح الرباني (١٣/١٢٨)، والحاكم، المستدرك (٢/١٠٣-١٠٤) .
٤ أخرجه مسلم. انظر صحيح مسلم بشرح النووي (١٣/٦٤) .
1 / 63