السرايا والبعوث النبوية حول المدينة ومكة
الناشر
دار ابن الجوزي
رقم الإصدار
الأولى-جمادى الأول-١٤١٧ هـ
سنة النشر
١٩٩٦ م
تصانيف
من جهة أخرى كان هذا النشاط المتدفق من السرايا والبعوث على شكل موجات متعاقبة من جند الإسلام الأوائل دلالة قاطعة على أن دولة الإسلام في المدينة وبقيادة النبي القائد ﷺ كانت مثل خلية النحل لا تهدأ ولا تكل، عمل دءوب متواصل لتبليغ دعوة الحق إلى الناس جميعًا، وهؤلاء الرجال الأفذاذ جنود الحق الذين لا تأخذهم فيه لومة لائم، والذين كانوا يتسابقون في الخروج تطوعًا وعن طيب خاطر، جنودًا بواسل في هذه السرايا والبعوث غير آبهين بالمشاق والمصاعب والمخاطر، بل كانوا يتحرَّقون لملاقاتها وقهرها طمعًا في الأجر وإعلاء لكلمة الله ﷿.
كما أن هذه السرايا كانت بمثابة تمرينات عسكرية تعبوية، ومناورات حية لجند الإسلام، استعدادًا للغزوات الكبرى التي كانوا يخوضون غمارها مع قائدهم الأعلى المصطفى ﷺ من حين لآخر.
إننا نرى وبوضوح كامل كيف كان معظم الصحابة رضوان الله عليهم مشاركين ضمن هذه السرايا والبعوث قوادًا تارة، وجنودًا عاديين أخرى، فكان ذلك من الخطط (والاستراتيجيات) بعيدة المدى التي كان يعدُّها النبي ﷺ لتثبيت دعائم الدولة الإسلامية، وإعدادًا منظمًا ودقيقًا لجيوش الفتوحات الإسلامية التي ما فتىء ﵊ يبشر بها أصحابه بين الفينة والأخرى في أوقات السلم والحرب والخوف والأمن.
إنه بنظرة فاحصة في قوَّاد وجنود تلك السرايا والبعوث تطالعنا أسماء لمعت كثيرًا في تاريخ الفتح الإسلامي فيما بعد. مثل قائد فتوحات الشام، أمين الأمة، أبي عبيدة بن الجراح، وسعد القادسية وفاتح المدائن، وسيف الله المسلول أسد العرب خالد بن الوليد، وأرطبون العرب فاتح مصر عمرو بن العاص، وغيرهم ﵃ أجمعين.
1 / 61