وفي 10 يوليو 1824 قام الأسطول المصري من الإسكندرية، وهو مؤلف من 63 سفينة حربية، ومن مائة سفينة نقالة ترفع أعلام الدول ما عدا فرنسا، ونقلت هذه السفن الأورط المصرية المنظمة على النظام الحديث؛ وهي أربع أورط، وأربعة بلوكات من مهندسي الطرق، و700 جواد بإمرة حسن بك، ومدافع الحصار والميدان. وكان إسماعيل أغا يقود الأسطول ويقود الجيش إبراهيم باشا، فبعد أن قهر إبراهيم الثوار بمعاونة الجيش التركي اتفقت الدول الثلاث فرنسا وروسيا وإنكلترا على إنقاذ اليونان.
وأبلغوا ذلك إبراهيم باشا، فأجابهم أن الأمر للسلطان ولوالده، ورفض السلطان وساطة الدول، وصدر أمر محمد علي لإبراهيم بمواصلة القتال، وأرسل إليه 92 مركبا عليها أربعة آلاف جندي نظامي. وكان أسطول إبراهيم مؤلفا من سفينتين كبيرتين؛ سلاح كل واحدة 84 مدفعا، و12 فرقاطة كبيرة؛ سلاح كل واحدة 65 مدفعا، و27 سفينة صغيرة، و41 نقالة. فاجتمعت هذه السفن المصرية بالسفن العثمانية واصطفت على شكل هلال، وفي 28 أكتوبر 1827 دخلت أساطيل فرنسا وإنكلترا وروسيا بين الأسطولين المصري والعثماني، ولم يبد منهم العدوان، ولكن سفينة إنكليزية تحرشت بنسافة تركية، فوقع القتال بينهما. وظل محرم بك قائد الأسطول المصري على الحياد، ولكنه اضطر للاشتراك بالمعركة التي دامت أربع ساعات، وأنقذ إبراهيم باشا، وأصلح من أسطوله سفينة كبيرة وست فرقاطات وعشر زوارق مسلحة و35 مركب نقل؛ هذا كل ما بقي من الأسطول المصري.
وفي شهر أبريل 1829 وكل محمد علي إلى المهندس البحري سريزي ترميم أسطوله وإنشاء أسطول جديد بمعاونة المسيو بيسون. وكان يستخدم في بناء الأسطول أربعة آلاف عامل من رجال الصعيد الأشداء، يرشدهم مائتا عامل أوروبي من عمال البحرية، وإنشاء الحياض ودار الصناعة لصنع السلاح والذخائر، ويشرف على العمل بنفسه، فيكافئ المجتهدين ويوبخ ويعاقب المهملين، حتى تمكن من أن يرسل لحصار عكا خمس سفن ضخمة؛ سلاح كل واحدة مائة مدفع، ومن فرقاطات عديدة قطعت البحر على الأمداد التركية، فأسرت سفينتين روسيتين تحملان الذخائر والمؤن لعكا، وسفينتين نمساويتين تحملان مثل ذلك لطرابلس، وفرقاطة تركية وزورقين مسلحين في خليج الإسكندرونة. ونقلت سفن الأسطول آلايين مصريين من الحامية المصرية في كريد إلى سوريا.
ولما اتجه السر عسكر حسين باشا بقوته من الأناضول إلى سوريا، صدر الأمر السلطاني إلى قبطان باشا بأن يسير بالأسطول إلى الإسكندرونة، وكان هذا الأسطول مؤلفا من سفينتين كبيرتين؛ سلاح كل واحدة 140 مدفعا، ومن أربع سفن؛ سلاح الواحدة 65 مدفعا، ومن 8 فرقاطات مختلفة الحجم، ومن عشر طرادات صغيرة، و8 زوارق مسلحة، وزورقين صغيرين، ومركب بخاري، و45 نقالة من مراكب الأمم الأخرى. فأصدر محمد علي في 14 يوليو أمره إلى أسطوله بالخروج ومقابلة الأسطول التركي، وكان أسطول مصر مؤلفا من ثلاث سفن؛ سلاح كل واحدة مائة مدفع، ومن خمس فرقاطات؛ سلاح كل واحدة 60 مدفعا، ومن فرقاطتين؛ سلاح كل واحدة منهما 52 مدفعا، ومن 5 طرادات؛ سلاح الواحدة من 22 إلى 25 مدفعا، ومن 8 نسافات؛ سلاح الواحدة من 8 إلى 20 مدفعا، ومن 20 نقالة، و6 جرافات، ومدفعية بقيادة عثمان باشا والأميرال وسطوش بك وكيله. واستخدمت تركيا باخرتين نمساويتين وأخرى روسية لنقل أخبار الأسطول المصري إليها، واستخدمت مصر باخرة فرنساوية وأخرى إنكليزية للغرض ذاته. وكان قيصر روسيا قد تظاهر بعداوة مصر، فسحب قنصله من الإسكندرية وحرم على السفن الروسية خدمة مصر.
ولما وصل الأسطول التركي إلى رودس انقسم قسمين: قسم ليقل الرجال والمؤن إلى جهة الإسكندرونة لتعزيز قوة السر عسكر، وآخر لجأ إلى لارانكا في سواحل قبرص، وبعد قليل وصل الأسطول المصري إلى ليماسول في الجانب الآخر من قبرص.
وأخذ الأسطول المصري زورقين حربيين من زوارق الأسطول التركي بلا قتال، والتقت بعد ذلك فرقاطة مصرية بطرادة تركية سلاحها 26 مدفعا، فقبضت عليها بلا قتال، إلا طلقة واحدة أطلقتها الطرادة.
وكان عشرون مركبا قد أنزلت المؤن والذخائر في الإسكندرونة، فاستولى عليها المصريون بعد انتصارهم في حلب؛ لأن هذه المراكب وصلت متأخرة.
والذي يؤخذ من تقارير بعض القناصل أن محمد علي أصدر أمره إلى أسطوله في قبرص بأن يرقب الأسطول التركي، ولا يهاجمه إلا إذا حاول إنزال الجنود في الجزيرة. وفي تقارير قواد السفن الأوروبية أن خليل قبطان باشا كان يتحاشى لقاء الأسطول المصري، وأن هذا الأسطول انتقل من ليماسول إلى لارانكا بعد خروج الأسطول التركي منها متجها إلى سواحل كارامانيا؛ حيث اتصلت به في أغسطس إحدى السفن الحربية الفرنساوية، فقال قبطان باشا لقائد تلك السفينة إنه لا يتوخى قتال الأسطول المصري إلا إذا اصطدم به؛ لأن لأسطوله مهمة أخرى.
وفي 18 أغسطس التقى الأسطولان، ولكنهما لم يقتتلا؛ لأن الأسطول المصري توارى تحت جنح الظلام بلا قتال. ولما التقى قائد الطرادة الفرنساوية بالأسطول التركي في 24 أغسطس، قال له إنه يفضل أن يكون تحت حكم محمد علي على أن يكون تحت حكم السلطان.
وفي أوائل شهر سبتمبر أرسل محمد علي مع قومندان البارجة الإنكليزية - التي كانت تنقل إليه الأخبار - كتابا إلى قبطان باشا يقول له فيه إنه قد حان الوقت لحقن دماء العثمانيين، وإنه يود تلافي الخطب الذي يهدد السلطنة إذا رفض السلطان أن يترك له حكم سوريا مقابل الإتاوة اللازمة، كما كان يحكم تلك البلاد الباشاوات الذين تقدموه. فأرسل خليل باشا الرد بأنه من رأي محمد علي باشا، وبأنه أرسل كتابه إلى إستامبول، وسيرسل إليه الرد. وطلب من محمد علي أن يرسل إليه يوسف بوغوص بك لذكانته، ووعد قبطان باشا بالمجيء إلى مصر إذا كان رد الباب العالي بالموافقة. وبعد تبادل هذه الرسائل مع قبطان باشا، أمر محمد علي بإعداد الأماكن اللازمة لنزوله ولرسو أسطوله، وهكذا كانت الهدنة بين الأسطولين.
صفحة غير معروفة