وشعر محمد علي أن الباب العالي يبذل أقصى جهده في الأهبة والاستعداد برا وبحرا، فعقد عزيمته على أن يقابله بالمثل، فطلب من قنصل فرنسا أن يعرض على حكومته عقد قرض له بمبلغ 12 إلى 15 مليون فرنك - وإن يكن عالما بأنه ليس باستطاعتها أن تفعل ذلك علنا ولكن باستطاعتها أن توحي سرا بعقده - غير أن الحكومة الفرنساوية رفضت أن تعقد هذا القرض أو تساعد عليه مراعاة للباب العالي والحياد، ولكن ذلك لم يقعده عن مواصلة الاستعداد، فأخذ بإرسال النجدات إلى سوريا.
محمد علي باشا.
وأرسل الباب العالي - بعد أن أصدر المجلس التشريعي فتواه - إلى الدول بألا تسمح لرعاياها بالاتصال بالمواني المصرية، فأرسل وزير خارجية فرنسا رده بأن هذا الذي يطلبه الباب العالي مخالف للقوانين البحرية، وذلك ما أخذت به الدول. ومضمون تلك القوانين هو: «أن حصار الشواطئ والسواحل يجب أن يكون تاما، وأن يحذر المركب في حالة الحصار التام من دخول الميناء، فإذا خالف حق عليه العقاب.» وأما أن تقطع الدول اتصالها بالمواني المصرية بمجرد التنبيه، فذلك ما لا يقول به أحد ولا تقبله الدول.
وكان الأسطول المصري قد ضبط مركبين روسيين ومركبين نمساويين تحمل المؤن والذخائر للأتراك في سواحل سوريا، فاحتجت هاتان الدولتان، وانتهى الأمر بالاتفاق على أن تصادر الحكومة المصرية المؤن والزخائر وأن تدفع أجرة المراكب فقط، وهكذا قطع الأسطول المصري المدد بحرا عن الجيش التركي في سوريا.
أما إبراهيم باشا، فإنه بعد دخول عكا أمر بترميم جدرانها وأسوارها وقلاعها، ونصب المدافع فيها لأنه عزم على جعلها مركزا لجيشه في بلاد الشام.
وكان علماء الأزهر قد وضعوا ردا شرعيا محكما على فتوى المجلس التشريعي في الآستانة، فأذيع ردهم في جميع الأقطار.
ولما حدث القناصل محمد علي في ذلك أجاب أن علماء الأزهر أحفظ للدين وأعرف بأحكام القرآن الكريم من جميع علماء الإسلام، فأنا لم أطلب منهم شيئا، ولكن ما فعلوه إنما هم فعلوه دفاعا عن حرمة الدين من أن تنتهك. أما الرد من جانبي فيحمله ابني إبراهيم إلى قواد السلطان.
لم يضع إبراهيم باشا وقته، فعزم أن ينقض انقضاض الصاعقة على خصومه، فاتجه بعسكره إلى دمشق، وأمر الأمير بشيرا أن يوافيه إليها برجاله، وأمر جيش عباس باشا برقابة الجيش التركي في جهة حمص. وإليك البلاغ الرسمي عن الاستيلاء على دمشق كما نشر في الوقائع المصرية.
في 10 المحرم/11 يونيو توجه العسكر المنصور إلى جهة دمشق، فوصل في 14 منه إلى القنيطرة، ثم انتقل إلى داريا التي تبعد عن دمشق ساعة ونصف الساعة. وفي الساعة الثامنة رتب عسكر آلايات المشاة والفرسان كهيئة قامة. ولما شاهدوا في اليوم التالي نحو 800 فارس من الأعداء في الجانب الأيسر طلبا للحرب، وفي الجانب الأيمن جماعة من المشاة من أهل دمشق، استحسن أفندينا السر عسكر أن يستصحب معه آلايات الفرسان وأحمد بك أمير اللواء مع الأورطة الرابعة من الآلاي الثامن، ويذهب إلى الذين وقفوا إلى الجانب الأيسر، ويذهب قوجه أحمد أغا مستصحبا فرسانه وفرسان العرب إلى الذين وقفوا في الجانب الأيمن. فلما رأى أصحاب المشأمة إقدام أفندينا السر عسكر عليهم ولوا الأدبار، فتبعهم العسكر وقتلوا منهم بعضا وقبضوا على البعض، وكان علي باشا والي دمشق والشوربجي وشمدين أغا في المعسكر في المكان المسمى «المرجة»، وكل من أمين الكلار والمفتي والنقيب ورشيد أغا والترجمان في بيت أمين الكلار والقاضي في المكان المسمى «باب توما»، فهربوا جميعا وكانوا نحو 1500 فارس و500 راجل، وحينئذ جاء جماعة من المدينة طلبا للأمن والأمان، وطلبوا أن يتشرفوا بمقابلة أفندينا رئيس العسكر، فأرسل إليهم رسولا يبلغهم بأنه أعطاهم ما طلبوه من الأمن والأمان.
لوحة تذكارية تمثل إبراهيم باشا يقود جنوده أثناء حصار عكا واقتحامه أسوارها.
صفحة غير معروفة