ثم وجه نظره إلى الأمير بشير، فأحكم به صلاته، ونزل الأمير بضيافته في مصر في حاشية كبيرة مدة ثلاثة أشهر، وكان اتفاقهما تاما، ثم أوفد إليه الأمير ابنه الأمير أمينا، فظل في مصر سنة وشهرا، ولم يرجع إلى لبنان إلا قبل قيام حملة إبراهيم باشا بأيام قليلة، وجاء مصر أحد أكابر البلاد الشيخ علي العماد للغرض ذاته. وكان حنا البحري الحمصي هو الصلة بين أمراء سوريا ومحمد علي، حتى صارت شئون تلك البلاد شطرا من شئون مصر في نظر محمد علي، يتدخل بها تدخلا فعليا، حتى إنه هدد والي دمشق بإرسال عشرة آلاف مقاتل بقيادة ابنه طوسون إذا لم يتحول عن اضطهاد اللبنانيين الذين يدخلون بلاده فيسجنهم إلى أن يدفع أميرهم الفدية.
ولم ير الباب العالي من وسيلة لصد محمد علي عن غرضه إلا أن يحرض لمقاومته عبد الله باشا والي عكا، ففتح عبد الله باشا ذراعيه لجميع المصريين الفارين من بلدهم لسبب من الأسباب، حتى بلغ عددهم ستة آلاف شخص، فكتب محمد علي إلى عبد الله باشا أن يعيدهم إلى وطنهم، فأجابه جوابا جافا وقال فيه: إن هؤلاء الستة آلاف هم رعايا السلطان، وشأنهم هنا كشأنهم بمصر، فإن شئت فاحضر لأخذهم. فأجابه محمد علي: إني سأحضر لأخذ ستة آلاف وواحدا فوقهم! وأراد بهذه الكلمة أخذ عبد الله باشا ذاته. وكان كتاب عبد الله باشا إنذارا، وكان جواب محمد علي ردا على ذاك الإنذار. ولما قيل إن الأمير بشيرا هو حليف محمد علي وسيكون في صفه كتب قنصل النمسا يقول لدولته: «إن وجود الأمير بشير في صف محمد علي لهو عبارة عن وجود سوريا في قبضة مصر.»
وغادرت طلائع الجيش المصري مصر إلى عكا في 14 أكتوبر 1831، واحتلت الحملة البحرية المصرية يافا في 8 نوفمبر، ووصل إبراهيم باشا قائد الحملة إلى حيفا في 13 نوفمبر، وضرب الجيش المصري نطاق الحصار حول عكا في 8 ديسمبر، وهكذا بدأ فتح الشام والأناضول.
ولم تلق طلائع الحملة المصرية من العريش إلى عكا مقاومة تستحق الذكر، بل لقيت في بعض الأماكن كل المساعدة والتسهيلات.
الفصل الأول
عدد الجيش المصري.
الأسطول.
حامية عكا.
الحصار. ***
كانت الحملة المصرية التي وجهت إلى عكا وسوريا مؤلفة من ستة آلايات من المشاة، وأربعة من الفرسان، وسلاحها أربعون مدفع ميدان، وأكثر منها من مدافع الحصار، وكان هذا الجيش المصري أول جيش شرقي سار على النظام الحديث، حتى إن إبراهيم باشا ذاته تعلم في المدرسة النظامات العسكرية كأحد الجنود. وقد بلغ عدد الجيش المصري الذي نظم يومئذ على الطراز الحديث نحو مائة ألف مقاتل، وكان مع هذا الجيش عدد كبير من الفرسان العرب ورجال القبائل المصرية.
صفحة غير معروفة