وتغيرت لهجة حلمي واهتز طربا وقال: كده .. طيب تيجي ننادي عليهم يا جماعة؟
وانهالت الأصوات تعترض. وقال الريس: خليهم يا محترم في حالهم واحنا في حالنا. خلي كل حي في سكته. وكان اللنش أسرع منا، فسبقنا، وأوغل في التقدم حتى تبدد وقال الريس وهو يضرب ركبته المثنية بيده: يا خويا إيه الحكاية. دا المركب بطلت صيد. أنا واحد م الناس ليلة امبارح، وليلة أول، وكل ليلة عمال أحول في ناس زيكو كده، صفوف ورا صفوف عمالة تروح على هناك. هو هناك إيه؟ مولد؟
وقاطعته الخالة قائلة لحلمي: يا حبيبي شيل إيدك من على الجرح .. عمال تحسس عليه ليه، شيل إيدك يا خويا.
وجمدت يد حلمي وكأنما ضبط متلبسا .. ثم أنزل يده وهو يداري ابتسامة خجل ويتمتم: لأ .. دانا أصلي بس حاسس إني سخن.
وما لبث أن انثنى إلى جاره قائلا: والنبي تحط إيدك تشوفني سخن ولا لأ .. يا أخي شوف.
ولم يترك الجار إلا بعد أن أطاعه ووضع يده فوق جبهته.
وكنا قد دخلنا منطقة خالية من جزر الحشائش، والريح بدأت تقوى حتى إن الريس ربط حبل القلع في مؤخرة القارب، وأمسك بالدفة فقط، ولكنه ظل مقطب الملامح، عابس القسمات صامتا لا ينطق وكأن أمرا كبيرا يحيره، أو حزنا مفاجئا داهمه. وكان جالسا وظهره إلينا، وظل على هذا الوضع لا يغيره، وكنا قد تعبنا من التفكير والكلام وحتى من مجرد التحديق في السماء والماء، فسكتنا، وماتت الحركة على ظهر القارب تماما حتى لم نعد ندري أهو واقف أو يتحرك، وهل نحن نائمون أم مستيقظون.
وانثنى الريس ناحيتنا فجأة حتى تهدلت اللاسة التي كان يتعمم بها من عنف الحركة، وقال: قولولي يا سيادنا.
وقبل أن نسأل ماذا يريد أو نتحرك قال بنبرات حاسمة وكأنما يتخذ قرارا خطيرا: انتو مش فدائية؟
ولا ندري لماذا دقت قلوبنا بعنف، وكأنما كنا نسرق وباغتنا الريس. وظللنا وقتا طويلا صامتين، صمتا حائرا مضطربا، صمت العاجزين وكان حلمي أول من تكلم وقال: أمال احنا إيه؟ بنلعب؟
صفحة غير معروفة