هذه خلاصة فلسفة «شو» في جميع ما تتناوله الفلسفة من مباحث ما وراء الطبيعة والدين أو مباحث الاجتماع والسياسة والثقافة.
يجلس للمثال تروبتزكي.
وإذا قسمنا الفلسفة إلى أصلين كبيرين: أصل الفلسفة الروحية، وأصل الفلسفة المادية، فليس في وسعك أن تضع «شو» مع الروحيين ولا مع الماديين؛ إذ هو وسط بين الخالصين للعقيدة الروحية والخالصين للعقيدة المادية، وإنما نضعه في موضعه إذا حسبناه دائما من التقدميين المثاليين، وقسناه بمقاييس المستقبل الذي يبشر به وينتظره ويوصي العالم أن ينتظره ويطيل انتظاره، فليس من الإنصاف له أن نأخذه بحاضر أعماله، ولا من الإنصاف أن نأخذ أحدا من أصحاب النظريات بهذه الأعمال، وهم فيما يدعون بشراء الغد القريب أو البعيد.
أحاديثه
اشتهر برنارد شو كما تقدم في أكثر من باب واحد.
اشتهر بالقصة والرواية المسرحية، واشتهر بالنقد الفني والإصلاح الاجتماعي، واشتهر بالخطابة والمناظرة، واشتهر بالنكتة البارعة والكلمة السائرة في أحاديثه التي تتلاقى فيها الحقائق والأوابد على نسق واحد.
غير أننا إذا قلنا إنه محدث بارع وسكتنا على ذلك، لم نظلمه ملكة من ملكاته؛ لأن كتاباته كلها من قبيل الأحاديث التي تصدر عن صاحبها عفو الخاطر، واهتمامه بوقع النكتة في مفاجأتها أشد من اهتمامه بتحليل الحقيقة بعد درسها، ومعظم آرائه مسوق في رواياته على صيغة الحديث المرتجل الذي يرد عليه بحديث مثله. فهو محدث غير مدافع، سواء كتب أو تكلم، ومحاسبته بغير حساب الأحاديث كمحاسبة «النكتة» بالنقد والمراجعة.
فهي «نكتة» قبل كل شيء.
ولك بعد ذلك أن تفهم منها ما تشاء، مع إعطاء النكتة حقها من المبالغة أو المفارقة أو الجناس في لفظة ومعناه.
ومن الصعب أن يقال عن رجل أربى على التسعين، وقضى نحو سبعين سنة منها يكتب ويفكر، أنه يرتجل آراءه ولا يرجع فيها إلى روية سابقة، ولكننا نعني بالارتجال هنا أنه تعود أن يفوه بما يحضره لساعته عفو الخاطر، سواء ذكر ما قاله فيه من قبل أو لم يذكر شيئا عنه قبل ذلك، فطابع الارتجال هو الطابع الظاهر على كل ما يكتب ويقول، ومفاجأة السامع أهم عنده من مخاطبته بما يألف أو بما ينتظر، وقد يكون الإغراب عنده كالجرس الذي ينبه السامع إلى حامله، ثم تتلوه «الفرجة» على المألوف أو غير المألوف.
صفحة غير معروفة