وقد كتب وقال غير مرة: «إن التقدم يتوقف على إبائنا أن نلجأ إلى وسائل العنف حتى حين تجدي وتفيد.»
ولكنه يرى مع هذا «أنه ليس في مقدور مجرم واحد أن يملك من أسباب الشر والتمادي فيها ما تملكه أمة منتظمة ... فإنها تكسب جرائمها حقوق الشريعة المطاعة، وتزيف لها وثائق الصلاح والفضيلة، ولا تبالي أن تعذب كل من يجسر على كشف حقيقتها وإظهار زيوفها».
فليس الكفر بالديموقراطية الحاضرة على الأقل مستغربا من رجل يبشر بالسوبرمان، ويرى أن الحاكم بأمره سلف يعقبه ذلك الخلف المنظور مع الزمان.
ومن جهة غير هذه وتلك، يعرف القارئ من أقوال «شو» وكتاباته - كما لمحنا مما تقدم - أنه يسيء الظن بالدهماء وقادة الدهماء، ولا يصدق أن جمهرة الناخبين من هؤلاء الدهماء يختارون من يريدون، أو أنهم يحسنون الاختيار إذا اتفق لهم أن يختاروا من أرادوه.
وفي زعمه أن الناخبين لا يمنحون أصواتهم أفضل المرشحين المستحقين للترشيح والنيابة، وإنما تتاح لهم الفرصة مرة بعد مرة لرفض أسوأ المرشحين، وتجربة غيرهم من جديد، ثم إعادة هذه التجربة في انتخاب بعد انتخاب على وتيرة واحدة.
أما الفرصة التي تتاح لهم، فهي من تدبير لجان الأحزاب وليست من تدبير دهماء الناخبين، ولا من يكون بينهم من ذوي النظر الثاقب والخلق الشريف.
ولجان الأحزاب ترشح الرجل المأمون في الدائرة المأمونة، والرجل المأمون عندها هو «النعجة» المنقادة التي لا تثور على رعاتها، ولا تقدر على الثورة إذا جنحت إليها، والدائرة المأمونة هي التي تضعف فيها المنافسة، ويقل فيها أمل المنافس من الحزب الآخر في النجاح.
فإذا كان في الحزب أناس أقوياء قذف بهم الحزب في المعركة الحامية يكسبونها له أو ينخذلون فيها، فيستخدمهم في غير الأعمال البرلمانية إذا راضتهم الهزيمة واستكانوا للقادة والرؤساء.
ومن هم القادة ومن هم الدهماء؟
إنهم كما قال في كتابه «الفاجنري الكامل»: «كلهم طائفة من الناس؛ بعضهم دجالون كبار، وبعضهم ساسة كبار، وبعضهم مزيج من هؤلاء وهؤلاء، وأكثرهم قادرون على قضاء مآربهم الشخصية غير قادرين على الإحاطة بالنظم الاجتماعية، أو تناول المشكلات التي تخلقها لهم معيشتهم في جماعات عظيمة. فإن كان معنى «الإنسان» هذه الكثرة، فالإنسان لم يتقدم، بل هو نقيض ذلك قد عمل على تعطيل التقدم، وهو في هذه الحالة لا يريد أن ينهض بتكليف شيء حتى تكاليف النظم القائمة، وإنما تؤخذ منه هذه التكاليف خلسة من طريق الضرائب غير المباشرة ...
صفحة غير معروفة