ومن ثم كان تدبير المال للناس كافة أنجح وسائل الخلاص من الآفات الروحية والجسدية، فليست الاشتراكية برا بالفقراء؛ لأنهم قديسون أو ملائكة. كلا، إنه لمن خطأ العواطف الإنسانية في تقدير «شو» أنها إذا عطفت على مظلوم تخيلته من الملائكة أو القديسين، وقد يكون على نقيض ذلك من الشياطين والأشرار، بل قد يكون الفقير سيئا رديئا لأنه فقير، ومن هنا تجب العناية به وإنقاذه من السوء والرداءة، ولن يتأتى ذلك وهو فقير محروم.
ولم تكن الاشتراكية الفابية بدعا بين المذاهب الاشتراكية على تعدد مناحيها في الحملة على نظام رأس المال، فإن هذا النظام الذي يميز طائفة من الأمة على سائر الطوائف بغير مميز ، آفة لا هوادة معها في رأي جميع الاشتراكيين، ومنهم الفابيون.
وحملتهم جميعا على الاستعمار كحملتهم جميعا على رأس المال؛ إذ كان رأس المال هو القوة المسخرة الكامنة وراء كل استعمار.
ولم يعرف عن «شو» أنه شذ عن هذه القاعدة في غير موقفين اثنين أوشكا أن يحدثا في الجماعة الفابية صدعا لا يرأب، وهما ترشيحه للشاعر «كبلنج» في الانتخابات البرلمانية باسم «شاعر الإمبراطورية»، وتأييده للدولة البريطانية في غاراتها على البوير.
والعجيب أن الموقف الأول - موقفه في ترشيح كبلنج - كان أحرج له بين الجماعة الفابية من موقفه في حرب البوير؛ إذ كان المؤيدون للدولة البريطانية في حرب البوير كثيرين بين أعضاء الجماعة الفابية، وحجتهم في هذا التأييد المستغرب من الاشتراكيين أن الاشتراكية ترمي إلى الوحدة في تدبير الثروة العالمية، وأن الدولة البريطانية هي أقرب نظام إلى هذه الوحدة في انتظار توحيد العالم، وتدبير ثروته على أساس الاتفاق والتفاهم بين جميع الشعوب والأقوام.
في موقف وداع.
أما ترشيح نائب لأنه من دعاة الاستعمار والصولة الإمبراطورية، فهو الأمر الذي لا يسوغه الاشتراكيون، وعندهم من هو أولى بالترشيح والمساعدة من طلاب النيابة الإنجليز.
على أن المعتذرين لشو من هذا الموقف لم يفتهم أن يلتمسوا له المعاذير من اضطراره إلى التذرع بذرائع النجاح في الدعوة الانتخابية، وأنه كان في دعوته هذه براء من المآرب الشخصية والشبهات النفعية، وأنه هو نفسه لم يتقدم لترشيح نفسه قط في انتخابات البرلمان، ولم يقبل الترشيح حين عرضوه عليه للانتفاع باسمه في معترك الأحزاب.
وأيا كان منزعه في الدعوة، فالواقع أن المجال كله مجال «نظريات وآمال» فيما تناولته الجماعة الفابية من المساعي والجهود، فإن آثارها في مجال العمل السياسي جد قليلة، ومعظم آثارها إنما كان تعليما مقبولا بين الناشئين والمثقفين ممن لا يملكون في مساعيهم وجهودهم قوة فعالة أكبر من قوة الإقناع في هذا المجال المحدود.
وكان هذا من باب أولى نصيب «شو» في مساعيه وجهوده، فلا جرم يقل نصيبه من المشاركة العملية في الإصلاح السياسي، وهو يعلق الإصلاح كله على الأمل البعيد، أو الأمل في تطور «السوبرمان».
صفحة غير معروفة