وقد يكون شو على حق في استخفافه بالكشوف العلمية، وميله إلى اعتبارها عملا من أعمال الدأب والمثابرة يقدر عليه كل من يصبر وينتظر، ولكن المسألة في جوهرها ليست مسألة البحث في كفاءة هذا المكتشف أو مكافأة ذاك، وإنما هي مسألة الانتفاع بما يكتشفون، وقد تكون منفعة العقار عظيمة غاية في العظم مع قلة الكفاءة العقلية التي أعانت على كشفه، كما انتفع الناس بكثير من العقاقير التي اهتدى إليها الباحثون على غير قصد وعلى غير انتظار.
وأيا كان رأي شو في العلم، فهو رأي يسمع ويحل عند سامعيه محل الاعتبار؛ لدلالته - على الأقل - على موقع هذا العلم في عقول النوابغ من الأذكياء.
أما أن «شو» يساهم في المباحث العلمية، فتلك مساهمة في غير بابه، فقد خلقه الله بذهن الفنان المفكر، ولم يخلقه بذهن العالم كائنا ما كان منحاه من العلوم التجريبية أو العلوم الرياضية، وقد كادت تلتقي في الزمن الأخير.
فالعقل العلمي يأخذ بتجربة الحقائق الخارجية، والعقل الرياضي يأخذ بأقيسة الفروض الذهنية، والعقل الفني يأخذ بالذوق والتحليل والفطنة، ولا يقف عند التجارب الملموسة والفروض المشهورة.
وقد قال شو عن قدرته الرياضية في مقدمة روايته «حيرة الأطباء»: «إنه لم يستخدم قط لوغارتما، ولا يضمن أن يستخرج مربع أربعة بغير خطأ.»
ومبالغته في الإنكار على نفسه كمبالغته في الادعاء لها، وكلتاهما تدل على ذهن غير ذهن الرياضي المقدر وغير ذهن العالم المجرب، إنما هو ذهن فنان يسمع قوله في العلوم والفروض، ولا ينسى سامعوه أنه فنان.
شو والفن
والمقصود بالفن في سياق الكلام على شو هو فن المسرح قبل كل شيء، ثم فن الموسيقى، ثم سائر الفنون.
وشو صاحب مدرسة مستقلة في المسرحيات.
نعم، إنه يقتدي بالشاعر النرويجي هنريك أبسن، ولكنه أوسع نطاقا من أبسن في جانب، وأضيق منه نطاقا في جانب آخر.
صفحة غير معروفة