شو يحترم «شخصية» المسيح ويحبه، وقد دعا إلى الأخلاق المسيحية في كثير من دراماته، ولكنه يجحد فكرة الفداء والتضحية والآخرة، ومع ذلك يجد في الكون ما يسميه «قوة الحياة» وهي أقرب الأشياء إلى «نهضة الحياة» عند بيرجسون؛ أي إن هناك اتجاها في المادة نحو الحياة، ثم اتجاها في الحياة نحو العقل، أي نحو الإنسان، ثم اتجاها نحو الارتقاء الإنساني حتى يخرج السبرمان من نسل الإنسان، وله في هذه الموضوعات جملة مؤلفات ودرامات.
ولكن ويلز في إنكاره لله قد بذئ كثيرا؛ فإنه لما شرع في التأليف إلى ما قبل 1920 كان يكبر من شأن الدين ويظن أنه يجد فيه الخير أكثر مما يجد الشر، ولكنه انتهى إلى الإلحاد وصار يؤلف في الدعوة إلى إنكار الله، ويستخرج من التوراة والإنجيل كلمات وعبارات يستنتج منها ما يشاء، مما يجرح إحساس المؤمنين، أو قد يحيل بعضهم إلى الإلحاد.
وكلاهما، شو وويلز، قد دعا إلى أخلاق جديدة أساسها العلم، وكلمة «أخلاق» تعني العقائد السياسية والاقتصادية والثقافية، وليست الاشتراكية عندهم نظاما للرحمة أو الإنسانية، وإنما هي قبل كل شيء إنتاج علمي يزيد الثراء، ومتى زاد الثراء فإن الفقر ينمحي، وعندئذ نجد أن الإنسانية ممكنة، ممكنة بالنظام وليس بالإحسان.
والفن عند شو هو الدرامة، والفن عند ويلز هو القصة.
ولكن إلى جنب ذلك ألف كل منهما مؤلفات أخرى تناولت الاقتصاد والأخلاق والدين ونحو ذلك، وقد انتفع كل منهما بالآخر. ومستقبل الإنسان، ومستقبل العالم، ومستقبل اللغة والثقافة، كل هذا يهتم كلاهما به ويكتب عنه بطريقته ووسائله الخاصة. فإن ويلز يؤلف موسوعة في تاريخ البشر كما لو كان تاريخ أسرة متعددة الأفراد ولكنها تنتمي إلى أرومة واحدة، وهو يكتب ويؤلف بشأن حكومة عالمية تحكم البشر جميعهم بلا تفرقة في السلالة أو اللغة، وهو ينشد لغة عامة للبشر، وهو يؤلف القصص الرومانسية عن المستقبل العلمي للإنسان.
كان ويلز كبير الإيمان بالعلم ، حتى إنه قال ذات مرة إن رجل الأدب لا قيمة له، ولكن قبل أن يموت بأقل من عام انفجرت القنبلة الذرية فوق هيروشيما وناجازاكي، فانهار إيمانه وداخلته الشكوك التي أظلمت أيامه الأخيرة وجعلت من تفاؤله الدائم تشاؤما لازما.
والواقع أن انهياره العصبي هو الذي جعله يتشاءم أكثر مما يجب؛ فإن هذه القنبلة أثبتت للمثقفين ضرورة الأخذ بأفكاره: العالم هو قريتنا الكبرى، والشعوب أمة واحدة، ولا بد أن تؤلف للإنسان حكومة موحدة تحكم الأرض.
كانت هذه الفكرة رسالة حياته، وقد أيدها العلم باختراع القنبلة الذرية التي تصرخ في وجوهنا: إذا لم تتحدوا وتنشئوا حكومة موحدة للعالم فليس أمامكم سوى الدمار والعودة إلى الغابة، وهذا إذا لم يفن النوع البشري كله، بل الحياة كلها.
ولكن قبل تحقيق هذه الأحلام لا بد من الاشتراكية تعم أقطار العالم وتضع الإيثار مكان الأثرة ومصلحة الجماعة فوق مصلحة الفرد.
كان ويلز عالمي الذهن يفكر في تأليف موسوعة عامة تشترك فيها جميع الأمم وتخرجها حية بالمعارف البشرية، بل إنه يكتب التفاصيل في طريقة الطبع لهذه الموسوعة؛ إذ هي يجب أن تربط على طريقة الورقة السائبة، بحيث يمكننا أن ننزع إحدى الورقات ونضع مكانها أخرى تحتوي على معارف جديدة، فالموسوعة تبقى بالبيت طيلة العمر وتتجدد بأوراق ترسل من وقت لآخر إلى الذين اقتنوها، فتتجدد.
صفحة غير معروفة