وهو يصف المجتمع الإنجليزي بهذه الكلمات الناطقة:
إن أقدر رجالنا من الحكام يموتون - من حيث مقدرتهم السياسية - في طفولتهم، يلعبون الجولف والتنس والبردج، ويدخنون التبغ، ويشربون الخمر كما لو كانت جزءا من غذائهم اليومي، ويمارسون الصيد والطراد، ويقرأون قصص القتل والزنى وأخبار البوليس، ويلبسون قمصانا لأكمامها ورقباتها زوائد سخيفة، وتلبس نساؤهم أحذية عالية الكعوب، ويلطخن أظافرهن وشفاههن ووجوههن. وبكلمة موجزة، يلعب الرجال والنساء لعب الأطفال بدلا من أن يسلكوا في رياضتهم سلوك الساسة والشيوخ، حتى عندما يقرأون أفلاطون، والإنجيل، وكارل ماركس، ويعرفون ما يجب عليهم أن يعلموا، حتى هنا لا يعرفون «كيف» يعملون، بل يبقون على ما نشأوا عليه لقلة ما حذقوا من الفنون السياسية التي تنشأ وتتطور الآن في روسيا بضغط الحوادث، ومحاولاتهم في التربية والتعليم تنتهي عادة بوضع الصبيان في مدارس هي «مراكز اعتقال» حيث يجلدون، وعندما يبلغ الصبيان سن الشباب يخرجون من هذه المراكز متوحشين، يبغضون التعليم والنظام، ويبقون في جهل كثيف لشئون الحياة عند تسعة أعشار الشعب الذي يتولون حكمه.
وهذا ما يقول عن الإمبراطورية البريطانية والمجتمع الإنجليزي:
أيما إنسان يستطيع أن يرى ... أن نظامنا الحاضر في العدوان الإمبراطوري، هذا النظام الذي يتخذ معاذير الاستكشاف والاستعمار، والذي يسير خلف المغامرين، يتبعهم رجال المال والتجارة، ويشرف عليهم العلم البريطاني، سوف ينهار عندما تنتقل الرقابة على القوات الحربية من طبقات الرأسمالية إلى الشعب، وأيما إنسان يستطيع أن يرى أيضا أن زوال الطبقات، مع ما نسميه الآن «الرأي العام»، هذا الزوال سيرافقه اتحاد المجتمع في طبقة موحدة لها رأي عام موحد له قوته التي لا تحد، وأن هذا الرأي العام سيجعل الرقابة لأول مرة فعالة، وأن استقلال النساء الاقتصادي، واستبدال الفرد - باعتباره الوحدة التي تعترف بها الدولة - برئيس العائلة، سوف يغير مركز الأطفال ومنفعة العائلة، وأنه سيعيد بناء الكنيسة في الدولة على أسس ديمقراطية جديدة بحيث يمكن أن ينتخب رئيسا لها - للكنسية - رجل ملحد معلن لإلحاده مثل مورلي أو برادلف.
هذه هي لغة الأديب برنارد شو، وهذه هي أفكاره التي لا أشك في أن كثيرا من الشرقيين يحسبونها هدامة، كما كان إسماعيل صدقي يحسب الاشتراكية والجمهورية أفكارا هدامة.
ولكن أوربا تتغير وترتقي بهذه الأفكار الحرة، والشرق يلتزم تقاليده ويأسن في عاداته وينهزم أمام أوربا في «تنازع البقاء». •••
يقارن بعض النقاد برنارد شو بشكسبير ويزعمون أنهما عمودا الأدب الإنجليزي، وقد يكون هذا حقا إذا اعتبرنا الزمان والمكان لكل منها، أما المقارنة المطلقة فتبدي لنا فروقا كبيرة.
كان شكسبير شاعرا ملوكيا جميع أبطاله ملوك ولوردات أو ما يشبه ذلك، ومع أن أسلوبه - بالمقارنة إلى من عاصروه - كان شعبيا إلى حد كبير، فإنه كان يحتقر الشعب ويصفه بأنه رعاع وغوغاء، وقد أحدث نهضة لا شك في ذلك، ولكن هذه النهضة كانت مسرحية فنية ولم تكن قط أخلاقية أو سياسية.
أما برنارد شو فقد كان أديبا شعبيا ديمقراطيا، استعمل لغة الشعب، وجميع أبطاله تقريبا من أبناء الشعب أو زعماء الشعب، وإن يكن في أواخر سنيه قد انزلق نحو الفاشية سأما من طرق الإصلاح الفابية البطيئة، ولم تكن النهضة التي بعثها مسرحية فقط، إذ كانت أخلاقية واجتماعية وسياسية أيضا.
كان المسرح قمة الأهداف عند شكسبير، ولكن المسرح عند شو وسيلة لتعليم الأخلاق.
صفحة غير معروفة