لا شيء أعرف من الوجود ، فلو عرف بشيء ، كان تعريفا لفظيا (1).
واختاره المصنف ، فأفاد أن جميع ما ذكر في تعريفه ( يشتمل على دور ظاهر ) واضح أو مصرح غير مضمر ؛ لاشتماله على ما يرادفه ، فيلزم توقف الشيء على نفسه ؛ إذ لا يعقل معنى « الذي ثبت » و « الذي يمكن » ونحو ذلك إلا بعد تعقل معنى الحصول في الأعيان أو الأذهان ، أو لأن الموصوف المقدر هو الوجود كما قيل (2).
فلا يكون المراد تعريفا حقيقيا موقوفا على تصور المعرف المشتمل على المرادف ( بل المراد تعريف اللفظ ) بتبديل لفظ بلفظ أعرف عند السامع ( إذ لا شيء أعرف من الوجود ) حتى يجعل معرفا حقيقيا له ، فيكون بديهيا ؛ لبطلان الدور والتسلسل ومماثلة المعرف ، بل الحكم بكونه بديهيا أيضا بديهي ؛ لما مر.
وعن الإمام الرازي : أن الوجود متصور بالبديهة ، ولكن الحكم بكونه بديهيا كسبي محتاج إلى الاستدلال (3).
( والاستدلال ) على بداهة تصور الوجود ( بتوقف التصديق بالتنافي ) أي بالمنافاة بين الوجود والعدم ، بأن يقال : الوجود والعدم متنافيان لا يصدقان على أمر ( عليه ) أي على تصور الوجود والعدم ؛ لأن كل تصديق موقوف على تصور الموضوع والمحمول ونحوهما ، فيكون التصديق بالمنافاة بينهما أيضا متوقفا عليه ؛ لأن التصديق المذكور مسبوق بتصور الوجود والعدم ، وحيث كان ذلك التصديق بديهيا كان تصور الوجود والعدم أولى بالبداهة ؛ لأن بداهة الكل في نفس الأمر تتوقف على بداهة أجزائه فيها وإن لم يتوقف العلم ببداهته على العلم ببداهة أجزائه ، الذي هو تابع متفرع على العلم الأول بملاحظة أن الوجود والعدم جزءان له ، كعدم توقف العلم بكلية الكبرى على العلم بالنتيجة مع كون العلم بالنتيجة تابعا
صفحة ٨٣