البراهين الإسلامية في رد الشبهة الفارسية
الناشر
مكتبة الهداية
رقم الإصدار
الأولى ١٤١٠هـ
سنة النشر
١٩٨٩م
تصانيف
العقائد والملل
وهذا جهل عظيم ومع هذا فلا يجوز أن يطلب منهم كل شيء ويقصدوا بما لا يقدر عليه إلا الله، وأما قوله: والأنبياء والأولياء في صدور التصرفات والكرامات عنهم في الظاهر مظاهر لتصرفاته تعالى كالمرآة المجلوة المتصلة إذا استنارت من الشمس صارت منورة للأجسام المظلمة، فهذه العبارة تمويه وترويج للباطل، وحقيقتها أن العباد يتصرفون في العالم ويدبرون أمره وتصدر الأمور عنهم لأنهم مظاهر، والقائلون بأن الخلق مظاهر لذاته هم أهل الحلول المعطلة لوجود الصانع وربوبيته ومباينته لمخلوقاته وهم من أكفر خلق الله وأضلهم سبيلا فإنهم يعبدون كل ما استحسنوه ومالت نفوسهم إليه لظنهم أنه من مظاهر الحق.
والقائلون بأن لأرواح الأولياء في صدور التصرفات عنهم مظاهر لتصرفاته تعالى فيهم مشابهة قوية للحلولية ولعل هذه العبارة إنما أخذت عنهم يبين ذلك أنهم إن أراد الأسباب العادية الحسية فهذا لا يختص بالأنبياء والأولياء وإن أراد ما هو أعم من ذلك من الأمور الباطنية والتدبير بالقوة المؤثرة فهو شبيه بالقول الأول مشتق منه ﴿كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ (١) .
وقوله: ويجوز أن تكون حالهم بعد مفارقة أرواحهم عن الأبدان في التصرفات كحالهم قبلها بل أتم وأصفى: فجوابه أن حالهم قبل المفارقة حال عبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موت ولا حياة ولا نشورا كما قال تعالى لنبيه ﷺ: ﴿قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا﴾ (٢) وقال له أيضا: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ (٣) وقال تعالى: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (٤) .
_________
(١) سورة البقرة: من الآية ١١٨.
(٢) سورة الجن: رقم الآية ٢١.
(٣) سورة آل عمران: رقم الآية ١٢٨.
(٤) سورة القصص: رقم الآية ٥٦.
1 / 98