فقال محمد باسما: قولي ما شئت فالحق أنه لا وجه للمقارنة بين ما كان وما هو كائن.
وإذا بكوثر تقول: أتمنى أن أسمع خبرا واحدا هو أن الحرب انتهت، وأن رشاد راجع ليتزوج!
وعاودت محمد ذكرى مأساته فعجب كيف فضلت سهام عزيز صفوت على رشاد؟! وقال لنفسه: لا تفسير لذلك إلا سوء حظي!
ولكن حظا أسوأ من حظه بما لا يقاس انقشع في لحظة أبدية كأنه سحابة صيف. ارتفع صوت راسخ النبرات في الراديو يزف إلى الشعب نبأ عبور قواته المسلحة للقنال. أهي الحرب من جديد؟! هل تمخض الجو الراكد المؤذن بنوم طويل عن صاعقة تقتلع الأعصاب من جذورها؟ هل يتطاير المستحيل ويتلاشى كأنه وهم ماكر؟! هتفت كوثر بجزع: ابني!
وتساءلت سنية المهدي في ذهول: حرب؟! .. ما بالها تتكرر كالصلاة؟!
وقالت لها كوثر بصوت متهدج: لم يكن خوفي لغير ما سبب!
فغمغمت سنية: إنه رحمن رحيم!
ولم يصدق أحد من أسرة محمد الخبر، أو لم يصدق ما يقال عن النصر. تذكروا ما ذاع وملأ الأسماع أيام 5 يونيو. وتساءل محمد بحيرة: لماذا نتطوع بالانتحار؟!
وقالت سهام لنفسها إن يكن انتحارا حقا فسيجيء بالشفاء لبعض أوجاعها. أجل فلن يخلص البلد من الرجعية إلا هزيمة ساحقة، وربما انفجرت في أعقاب ذلك القوى الشعبية المطحونة. وكالعادة لجأ محمد وألفت إلى محطة لندن وصوت أمريكا. تضاربت الأخبار بادئ الأمر ثم تأكد النبأ المذهل؛ تجلى النصر في هالة سحرية كمعجزة باهرة تحلق فوق الخيال والتاريخ. اندثرت شخصية صفراء مهزولة وحلت محلها شخصية تضطرم بالعافية والثقة، تلاشت روح فاسدة مكفنة في الهزيمة وخلقت روح جديدة تختال بالحبور والإلهام، تبخر يأس الهزيمة وذل القهر وانكسار القلب وهزجت الأنفس بسكرة التناغم مع الذات والحياة والكون. - انتشل الرجل مصر من الفناء، وانتشل العرب ...
سهام منيت بالهزيمة وحدها؛ قتل عزيز صفوت من جديد وانتصر العدو ووئد الأمل وابتسم المستقبل للرجعية المصرية التي تحرر سيناء، ولم تعد هي إلا فتاة ضائعة، منبوذة، مهددة بالفضيحة. ولم تخل منيرة من سرور، كذلك أمين، ولكنه سرور أفسدته الغيرة، وكدره الحنق، وتساءلت بحيرة: كيف انهزم الأصل وانتصر الظل؟!
صفحة غير معروفة