فقالت سهام بصوت خافت: أعترف بخطئي وأسفي، إنك شاب رائع، ولكن لا حيلة لي ...
فازداد تعاسة وسألها: أيوجد شخص آخر؟
فأجابت بوضوح: كلا.
فصمت قليلا ثم قال: إذا كان الأمر كذلك فلم لا نجرب حظنا؟
فقالت بحزن: آسفة، انس الموضوع كله وسامحني إن أمكن!
وانفرد محمد بألفت وسألها: هل يوجد شخص آخر؟
فقالت: أبدا، إنها لا تخفي عني سرا.
فهتف الرجل: هذا أدهى وأمر.
ولكن كان ثمة «آخر»، غير أن سهام لم تشر إليه لأنه لم يعترف بعد، وقد تكون واهمة. فمما لا شك فيه أن ميلا خفيا دفعها باستمرار نحو عزيز صفوت! إنه يراسلها بنظرات خاصة أبلغ من أي لسان. مضى زحفه وئيدا متواصلا حتى تفتح قلبها للحب، وعند ذاك فقط عرفت أنه شيء آخر غير الميل الذي وجدته ذات يوم نحو رشاد. وكان رشاد أقوى جسما وأجمل صورة إلى وزنه المالي المعترف به. عزيز نحيل شاحب الوجه ذو ملامح شعبية ومظهر فقير ولكن سحرها نور يشع من عينيه، وجدة أفكاره وحيوية روحه وذكاؤه البين. والحق أن عزيز ومض في رأس ألفت دقيقة ولكنها سرعان ما استبعدته كفرض يتعذر قبوله .. كان يزور شفيق كثيرا، ويرى سهام كثيرا، وفكرة حجب ابنتها لم تخطر لها ببال، وكانت هي تجالسهم أحيانا وكذلك محمد. ثم ألم يسلم محمد نفسه بضرورة إلحاقها بالجامعة؟ قنع بضرب المثل الإسلامي لهم في حياته اليومية وحثهم على تأدية الفرائض وما يتسع له وقتهم من ثقافة دينية، مسلما بعد ذلك أمره لله. لعل أمين - ابن منيرة - كان الأوحد في الأسرة الذي شمت برشاد في محنته لسابق شغفه بسهام. وظن أن فرصة طيبة تسنح له من جديد فعبر فوق علاقته بهند رشوان وأكثر من التردد على مسكن خاله محمد، وراح يتودد إلى سهام، ولكنه شعر منذ أول خطوة بأنها لا تشجعه ألبتة فلم يتماد في تجربته وقال لنفسه ساخطا: ستكون صورة طبق الأصل من ميرفت هانم!
وندم على شروعه في خيانة هند رشوان فكفر عن زلته بالتأكيد على إظهار حبه لها وتعلقه بها. وبالفعل دخل طورا جديدا من علاقته اتسم بالحرارة والجدية. ومضى يفكر في المستقبل، وفي العقبات التي تعترض طريق الزواج مثل اختلاف مستوى الأسرتين، والانتظار الطويل الذي لا مفر منه، وتكاليف الزواج التي لا مفر منها أيضا. وعند ذاك تذكر ما يقال عن ثراء أبيه، ولكنه لم ينس «زاهية» التي ينتظر خروجها من السجن، والتي يقال إنها شريكته بل إنها القوة الحقيقة وراء استثماراته. بالإضافة إلى ذلك فإن نفوذ عمه انتهى إلى الأبد بدخوله السجن. أما عن دخل أسرته الخاصة فإنه بالكاد ييسر لها معيشة عادية أبعد ما تكون عن الترف. وكم ود أن يخلو بهند رشوان لعله يروح عن أعصابه بطريقة فعالة وآمنة، ولكن أقصى ما أتيح له أن يختلس القبلات واللمسات في شوارع العباسية الجانبية. ولم يخل في حياته العامة من عاطفية أيضا فكان أقل الأحفاد تمردا على الناصرية، وأعجب بأمه لتمسكها بها، وربما من أجل ذلك شعر بمأساة أمه الخاصة أكثر من أخيه علي، وآنست منيرة منه ذلك فاختارته بخيالها، وأيضا عقب رجوعها من الحج شاركها في الاهتمام بدينه متبعا أسلوبها متحاشيا أسلوب خاله محمد. ولاحظ خاله محمد رجوعه إلى ناصريته فقال له: إني لا أفهمك يا أمين!
صفحة غير معروفة