لماذا؟ إنه ليس دون رشاد رواء، وأطول منه، وأذكى ، ولكن الآخر غني. ولعله لم يحب سهام كما أحبها رشاد ولكنه لعن رشاد وسهام والجميع. وقال لأمه: الثورة معتدلة أكثر مما ينبغي يا ماما!
فدهشت منيرة وسألته: أتريدها شيوعية؟!
فتساءل: وما الشيوعية؟
فترددت قليلا ثم قالت: هي الإلحاد!
فوجم. واعترف فيما بينه وبين نفسه بأن سهام أهون من أن يخسر بسببها دينه. وكانت منيرة تعرف عنه أكثر مما يظن فأحزنها أن تكابد - هي وابنها - مرضا واحدا، فأوشكت أن تنهزم أمام دمعة محتدمة. وقالت له بغموض: ما نتصوره ونحن صغار يتغير ونحن كبار!
أما علي فكان يهيم ببلوغه في واد غريب؛ عشق بطريقة عشوائية ميرفت هانم حماة خاله محمد. رآها عن قرب في بيت خاله وهي تزور ألفت مصحوبة بزوجها الأخير الأستاذ حسن علما. لم يكترث لسنها الزاحف نحو الستين ولكن بهرته أناقتها وصوتها العذب وشعرها الذهبي وبشرتها المنيرة. سرعان ما عشقها انفراديا، وكانت أول امرأة من لحم ودم تحل في قلبه المشغوف بكواكب التلفزيون. وقد نفخته بالغرور عندما قالت له وهي تصافحه: إنك في طول رجلين معا.
واستوعبت المرحلة الثانوية جميع الأحفاد؛ التحق شفيق بن محمد وأمين وعلي بالقسم العلمي، على حين التحقت سهام ورشاد بالقسم الأدبي. وبدأ رشاد يتكلم عن المستقبل متأثرا بما يقال في مجلسه مع أصدقائه الرياضيين. حلم بحياة الأعيان ولكن صده عن حلمه قول الزعيم «من لا يعمل لا يأكل!» وهو زعيم قادر، وفي وسعه أن يحرم الأعيان الكسالى من لقمة العيش؛ فقال لأمه يوما: أزرع أرضي وأربي العجول!
فقالت كوثر: إذن اتجه إلى كلية الزراعة.
وفكر وفكر ثم قال: الكلية الحربية أفضل!
فتذكرت كوثر ويلات الحروب وقالت: لا، لا تلق بنفسك إلى التهلكة!
صفحة غير معروفة