هذه القاعدة العامة ليست مطبقة في جميع البلاد، ولا هي بالمتبعة في كل الظروف، وإنما يدخل عليها في بعض المواقف استثناء تقتضيه المصلحة العامة. فقد كانت فرنسا قبل تأميم بنكها تجيز له التعامل مع الأفراد؛ ففتح لهم الحسابات الجارية، وحفظ لهم الودائع، واشترى وباع لهم الأوراق المالية وأعطاهم خطابات الاعتماد.
وقد عدلت الآن أغلب الدول عن ذلك؛ فإيطاليا سنة 1936 قصرت عمل البنك المركزي على المعاهد المالية، كذلك فعلت المكسيك والإكوادور سنة 1937، واليونان والهند والأرجنتين كل منها ضيقت عمل بنكها المركزي، وكادت أن تجعله محظورا مع الأفراد.
وعلى عكس ذلك نجد أستراليا في قانون بنكها المركزي الصادر سنة 1945 تلزم بنكها أن يتعامل مع الأفراد. وقد قال وزير ماليتها في مذكرته التي شرح بها ذلك القانون إنه قانون يعطي البنك أوسع الاختصاصات والأعمال التي تباشرها البنوك التجارية.
هذا ولا نستطيع أن ننسى أن بنك إنجلترا العتيد من أول واجباته أن يساعد الادخار وتوظيف الأموال، وأن يشجع الصناعة والتجارة والزراعة والاستعمار. ومن الأمثلة التي نسوقها فوق ما ذكرناه من مجهوده في بناء مجد الإمبراطورية أنه يملك أسهم شركة التثمير المعروفة
Securites Investment Trust Ltd ، وبعض أسهم شركة
Bankres Industrial Development Company ، وشركة
Agricultural Mortgage Company .
ولا يمكننا أيضا أن ننسى أن اليابان وألمانيا وإيطاليا وروسيا - وغيرها من البلاد التي أقامت نهضات أو أعدت مشروعات تنفذ في سنين معدودة كمشروعات السنوات الخمس - قد اعتمدت في ذلك على بنوكها المركزية، سواء بالنسبة للدور الذي قامت به تلك الحكومات، أو بالنسبة لمجهودات الأفراد والشركات فيما أعدته لهم الحكومات أو كلفتهم به من أعمال.
ويدخل على القاعدة العامة القاضية بمنع البنوك من التعامل مع الأفراد استثناء هام في أوقات الأزمات؛ إذ تكلف الحكومات بنوكها المركزية بأعمال تعالج بها الأزمات. ولا بد لها في هذه الأحيان من تعامل مع الأفراد أو تدخل في التجارة والصناعة والزراعة. (2) امتلاك الحكومة للبنك المركزي
ولا خلاف عند أحد على ضرورة اتخاذ بنك مركزي في كل دولة ولو كانت شبه متحضرة. وقد جاءت جميع المؤتمرات الاقتصادية تحض الدول على اتخاذ البنك المركزي، وإنما يقع الخلاف - وهو ليس بالخلاف الحديث - حول الوسيلة التي تؤدي إلى تلك الغاية المجمع عليها؛ فبعض البلاد ترى أن تملك الحكومة البنك لتستطيع أن تديره وأن تسيره طبقا لمشيئتها، فتوجه به الاقتصاد الوجهة التي تراها لازمة لمصلحة بلادها، والبعض يرى أن تبتعد الحكومة عن ملكية البنك وإدارته؛ لأنه يخشى أن تتدخل السياسة والحزبية في أعمال البنك فتفسده.
صفحة غير معروفة