بنك فرنسا
ذلك بنك إنجلترا قام على أموال الأفراد، وتدرج مع الزمن في تقاليد جعلته يضع مصلحة الإمبراطورية في المقام الأول، هو بنك يختلف بعض الاختلاف عن بنك فرنسا الذي أنشئ سنة 1800 في عهد نابليون الذي لم يقصر كل همه على الحروب، بل نهض بفرنسا في الاجتماع والقانون والمال.
تأسس بنك فرنسا برأس مال قدره 30000000 فرنك مقسم إلى أسهم قيمة كل سهم منها 1000 فرنك، كتبت فيه الحكومة بما قيمته 5000000 فرنك، والباقي من رأس المال اكتتب به الأفراد والشركات، ثم زيد رأس ماله سنة 1948 عندما ضمت إليه تسع بنوك إقليمية صارت ضمن فروعه المنتشرة في فرنسا.
نشأ هذا البنك أول أمره شبه حكومي خاضعا لسلطان الحكومة الفرنسية إلى حد كبير؛ فهي مساهمة فيه، ولا رأي غير رأيها في إدارته وسياسته. وقد احتكر إصدار البنكنوت في فرنسا، وأكثر من إصداره بالنسبة لبنك إنجلترا؛ لأن الفرنسيين لا يستعلمون الشيكات بالكثرة التي يستعملها الإنجليز.
وتستودع الحكومة الفرنسية هذا البنك أموالها، ويقوم لها بخدمات كبيرة بغير أجر، وتستطيع دائما أن تلزمه بتقديم قروض لها، ولا يقتصر عمله على الحكومة والبنوك، بل يتعامل مع الأفراد ويحفظ لهم الودائع، ويعطيهم خطابات الاعتماد، ويشتري ويبيع لهم الأوراق المالية في البورصات. وهو في هذا يخالف ما كان الإجماع منعقدا عليه من ضرورة ابتعاد البنوك المركزية من التعامل مع الأفراد.
وقد وجه بعض الكتاب إلى هذا البنك انتقادين؛ أولهما : أنه بالغ في كثير من المواقف في جمع السبائك المعدنية الذهبية منها بوجه خاص عملا بالأساليب الكلاسيكية التي تعتبر المعادن النفسية عنوان الرخاء وعماد الثبات في سعر العملات. وثانيهما: أنه كان خاضعا خضوعا أعمى لأوامر وزارة المالية الفرنسية، لا يناقشها ما تطلبه من قروض، ولو كانت عقيمة أو كانت بواعثها العمل على تصوير التوازن لميزانيات ملفقة؛ مما أدى إلى هبوط الفرنك.
ومهما يوجه إليه من انتقاد فمن حقه عليها أن تذكر له أنه قد أدى واجبه هو الآخر نحو بلاده في حروبها وأزماتها، وفي نشر استعمارها وتجارتها قبل أن يتحول كزميله بنك إنجلترا إلى بنك مؤمم مملوك للدولة.
الريشبنك في ألمانيا
ومن النماذج الفريدة في بابها: بنك الريخ الألماني، الذي أنشئ في سنة 1875 بعد أن توحدت ألمانيا وانتصرت على فرنسا في الحرب السبعينية. وكان من المتعين أن يوجد نظام الإصدار الذي كانت تقوم به بنوك الدويلات من قبل، وأن يكون للإمبراطورية الجرمانية بنك مركزي تقوم عليه نهضتها الاقتصادية التي يجب تجنيد القوى لتسرع فتحتل ألمانيا المكان اللائق بها؛ ولهذا كان من خصائص النظام الألماني أن يجعل البنوك على صلة وثيقة بالصناعة على عكس النظام الإنجليزي والفرنسي - ولا يماثل النظام الألماني إلا نظام النمسا والمجر واليابان قبل الحرب الماضي - وأن يجعل البنوك أيضا على صلة كبيرة بالحكومة والهيئات العامة.
لقد جنت الحرب العالمية الأولى على ألمانيا، وأفقدت برلين سوقا مالية عظيمة كانت تمتاز بكونها تقترض لآجال طويلة في حين أنها هي تقترض لآجال قصيرة، كما جنت أيضا على بنك الريخ الذي وإن استطاع بمهارة فائقة أثناء تلك الحرب أن يمول ألمانيا وحلفاءها الذين كانوا عبئا ثقيلا عليها لقلة مواردهم، إلا أنه خرج منها منهوك القوى غارقا في خضم من الورق النقدي الذي فقد قيمته سنة 1923 حين أعلنت الحكومة الألمانية عجزها عن سداد ما عليها، ومد لها الحلفاء يد المساعدة لتستطيع أن تدفع لهم ما فرضوه عليها من ديون.
صفحة غير معروفة