بلاغة الغرب: أحسن المحاسن وغرر الدرر من قريض الغرب ونثره

محمد كامل حجاج ت. 1362 هجري
168

بلاغة الغرب: أحسن المحاسن وغرر الدرر من قريض الغرب ونثره

تصانيف

يا لعناية فات وقتها ولا حاجة إليها؟ حنان لا يجدي! إذ فارقكم إيبوليت.

تيزيه :

آلهتي!

تيرامين :

ما رأيت أحدا مات أكثر منه حبا لدى الناس، وأتجرأ أن أقول لك أيها الأمير: إنه أخف الناس ذنبا.

تيزيه :

هلك ابني؟ عجبا! متى أمد إليه ذراعي لمعانقته؟ هل نفد صبر الآلهة وعجلوا بموته؟ أي ضربة اختطفته مني، أم أي صاعقة مفاجئة؟

تيرامين :

لم نكد نحرج من أبواب تريزين وابنك راكب عجلته وحراسه تعلوهم الكآبة ملتفون حوله مقلدون صمته، فسار وهو فريسة الشجون والهموم في طريق «ميسين»، وقد أرخت يده العنان على ظهور خيله.

ولما كانت جياده الحسان كما عهدها الناس ملئت حمية، لبت صوته وزاغت منها الأبصار، وطأطأت الرءوس يحسبها الإنسان أنها وفق فكرة الحزين؛ إذ خرج من اللجج صوت مزعج عكر صفو الهواء، فأجابت الصافنات الجياد هذا الصياح المرهب بصهيلها، فتثلج دمنا في أعماق أفئدتنا، وانتصب شعر أعراف الخيل، وارتفعت على ظهر اليم لجة كالطود واقتربت، ثم تكسرت وقذفت بين الزبد وحشا هائلا عريض الجبين مسلح الرأس بقرنين مزعجين، وجسمه مغطى بقسور مصفرة، كأنه ثور صعب المراس أو تنين عظيم البأس، التف عجزه فأحدث ثنيات معوجة ملتوية، وقد ارتجف من هول زئيره الشاطئ ومادت الأرض وأوبأ الهواء، وتقهقرت اللجة التي حملته وهي مروعة منه، وهرب الجمع، والتجأ إلى المعبد المجاور دون أن يتسلحوا بشجاعة لا تعني ولا تنفع، ولبث إيبوليت وحده فكان أهلا لأن يكون ابنا لبطل حلاحل. فأوقف خيله وقبض على حرابه وطعن الوحش بيد لا تخطئ طعنة نجلاء أصابته في عطفه طفر من حر ألمها الوحش، ووقع زائرا تحت أقدام الجياد متمرغا مظهرا فما ملتهبا فغطاها بنار ودم ودخان، فأخذها الفزع وصمت آذانها هذه المرة عن استماع الزجر ولم يغن صاحبها ما بذله من الجهد لكبح جماحها؛ حتى كل ساعده وخارت قواه وضرجت الخيل اللجم بما يخرج من أفواهها المزبدة الدامية، ويقال: إنه شوهد في هذا الهرج الهائل إله يضغط على جنوب الخيل المغبرة بمهمازه وهو بها الوجل بين الصخور ففرقع محور العجلة وانكسر، وشاهد البطل إيبوليت عجلته وهي تتحطم إربا إربا، ووقع هو بنفسه والتفت عليه الأعنة.

صفحة غير معروفة