أتجسر أيها الخائن أن تظهر أمامي؟ لم تركتك الصواعق أمدا طويلا أيها الوحش الضاري والبقية النجسة من قطاع الطرق الذين طهرت منهم الأرض؟ وبعد أن قادتك حدة حبك الفظيع إلى مضجع أبيك تجترئ أن تريني وجها أقبح من وجه العدو! أتظهر في مواطن ملئت بفضائحك بدلا من أن تبحث لك عن بلد مجهول لم يصله اسمي. اهرب أيها الغادر، ولا تقدم على حقدي وإهاجة غيظ لا أكاد أضبطه، وكفاني عارا أبديا أن أوجدت في الدنيا ولدا أثيما مجرما، وإن قتلك أيضا يكون لي ذكرى مخجلة تدنس مجدي وجليل أعمالي.
اركب متن الفرار إن كنت تريد أن تنجو من قصاص مفاجئ يلحقك بالمجرمين، الذين اقتصت منهم يدي هذه، وحذار أن تراك الشمس التي تضيئنا واطئا بقدمك الجسورة هذه الأماكن، عجل بهربك دون أن تؤمل العودة لتطهر ممالكي من مرآك الشنيع.
وأنت يانيبتون، أتذكر أن شجاعتي التي قطعت بها دابر العرر من سفاكي الدماء وطهرت منهم شاطئك، وقد أردت أن تكافئني على ما بذلته من الجهد بأن تستجيب لي أول دعاء، ولم أتوسل إليك لتنقذني من شدائد السجن القاسي؛ إذ كنت حريصا على معونتك وإسعادك، فأرجأت دعائي وادخرته لما هو أهم وأعظم. فالآن أبتهل إليك أن تنتقم لأب سيئ الحظ، وقد تخليت عن هذا الخائن وتركته لغضبك؛ فاخنق ما جرى في دمه من وقيح الآمال، وسيعترف تيزيه بأفضالك ونعمك عندما تستشيط غضبا.
إيبوليت :
أتتهم فيدر إيبوليت بحب أثيم؟! يا لمنتهى الفظاعة التي حارت منها النفس، كم من ضربة لم تكن بالحسبان تثقل كاهلي وتلجم لساني وتخنق صوتي.
تيزيه :
أتزعم أيها الخائن أن فيدر تطوي وقاحتك الوحشية في زوايا الصمت الفاضح؟ كان الأجدر بك عندما هربت من أمامها أن لا تترك سيفك؛ إذ هو بين يديها مساعد على نفي قولك، بل كان خليقا بك أن تزيد جرمك بأن تجهز على كلامها وحياتها.
إيبوليت :
لقد هاج غيظك من كذب ممقوت، وكان الواجب علي أن أنطق بالحقيقة أيها الأمير، ولكني أغض الطرف من سر يمسك فيضيق صدري ولا ينطلق لساني؛ فارض بالاحترام الذي يطبق فمي بدون أن تزيد في همومك بيدك، وألق نظرة على حياتي وافحصها وفكر من أنا؟ أفاتك أن الجرائم العظيمة تسبقها أصغر منها؟! ومن يستطيع أن يتعدى الحدود الشرعية، أو يخرق حرمة الحقوق المقدسة؟! والجرم كالفضيلة له درجات؛ إذ لم يسمع أن البراءة الحيية انتقلت فجأة دون استدراج إلى منتهى الوقاحة والضلال، ويوم واحد لا يصير صاحب الفضيلة خائنا قاتلا نذلا يأتي المنكر مع محارمه.
حملتني في أحشائها طاهرة عفيفة من الشجاعة والإقدام بمكان رفيع، فلم أكذب دمها وأظلمها، وكان بيتيه موصوفا بالكياسة والذكاء بين جميع العالم، وقد تفضل بتهذيبي، وإني لا أود أن أصف نفسي بأكثر من ذلك، وأظن يا أميري أن حظي الذي أحرزته من الفضائل هو الذي أشعل الحقد علي؛ فرموني بهذه الكبائر الفظيعة، وإن إيبوليت لمعروف في جميع اليونان بأنه بلغ منتهى الفضيلة، وإنك تعرف من شجوني ثبات عزيمتي في الشدة والجفاء، وليس النهار بأنقى من قلبي؛ أبعد ذلك يريدون من إيبوليت أن يفتن بنار حب دنس؟!
صفحة غير معروفة