الموهوب ويناهض أمام المحاكم ابنه الشرعي الخليع؟ صارت أسبازية رمزا مع أن زوج بركلس ظلت مجهولة في التاريخ، وكانت مشارف أثينة تلقي نورا شديدا على حياة أبناء الوطن الخاصة، ومن الواضح أن حسب وضع بركلس للأعقاب.
وكان بركلس عنوان المثل الإغريقي الأعلى، وذلك كما عرضه توسيديد حيث قال: «إن من عاداتنا أن نبدي بالبساطة مقياسا حكيما وهيفا معتدلا.» وما كان الخيال ليعوز بركلس، وكان بركلس يحب المجد ويدرك أن وجود المجد بنصب التماثيل وإقامة المباني العامة، ولا ريب في أنه لم يكن ولوعا بالجمال ممارسا له، ولا ريب في أنه كان مهتديا بحب الجمال أقل مما برغبته في إيجاد عمل لمن هم عاطلون منه، وفي محافظة شعب تابع لهواه على مرحه، وما كان من ولعه بالموسيقى والأعياد المنرفية
112
يثبت مقدار سمو الثقافة في أثينة ومشابهته لما عند رجال السياسة الفرنسيين إلى وقت قريب. وقد عرف كيف يكتشف، ويمسك لديه، أعظم أساتذة زمنه، فكان يشجعهم على الكتابة والتصوير والنحت، وقد اختار خليلة له متعمدا، ودافع عن هذه المرأة العبقرية ضد جميع التهم، دافع عن هذه المرأة المتهمة في عرضها والتي كانت تدير كلية لدرس الغرام، فكان له بذلك وضع ملك يعلو به من يسيطر عليهم من الرجال، وضع ناظم للمسرح نابغة يعد زبدة ممثليه، ويقال «عصر بركلس» عادة، مع أن بركلس لم يقبض على زمام الأمور غير ثلاثين عاما.
وما ندركه من أمره هو مثل ما ندرك عند عدم انتهاء مذكرة منه إلينا، هو مثل ما ندرك مع الخطب التي لا تكاد تبلغ الست، ولمجده كسب في ذلك على كل حال. وإذا ما اعترض بعض الناس قائلا إنه كان من السعادة ما وجد معه أساتذة فضلاء، قيل إنه كان من الشقاء ما قبض معه على زمام أشد شعوب الأرض إنكارا للجميل.
ولم أسدلت ستائر النسيان على هزائم بركلس مع المحافظة على ذكرى انتصاراته؟ ولم لا يلومه التاريخ على بنائه فوق أسس ضيقة تكاد تبلغ من القدم عشرين سنة، وعلى عدم إدراكه ببصره كون الفرس والإسبارطيين مجتمعين أقوى من جمهورية أثينة الفتية بمراحل؟ ولم لم يوجه أحد إليه تهمة اشتراء الجماهير بمال الدولة؟ ولم لم تثقل عليه مثل وطأة نفي توسيديد العظيم عن حسد كما ثقلت أعمال مماثلة على نابليون؟ ولم لم يدر في خلد أحد أن يجادل في مجده كما يجادل في مجد الإسكندر وقيصر؟ ولم لم يجر معه أي ظل إلى الجحيم مع أنه خسر اللعب في نهاية الأمر؟
وذلك أنه وجب عليه أن يختار، كفيلسوف، بين المجد والطموح، وذلك لأنه لم يسر قط ضد مصلحة شعبه ليتمتع ببريق عابر لنصر يناله، بل كان يكثر من العناية بشعبه طورا، ويسليه طورا آخر، ويعمل لدور عظيم على الدوام، وهو لكونه الطاغية الوحيد عن حق في القول على ما يحتمل لم يقم أثني مأتما له حين موته، وهو لكونه عرف أن يمزج بين ذكائه وشعوره بقدر نفسه، وبين حب السلطة وحب الجمال، صار عندنا مثال اليوناني الكامل.
18
يشعر السياح الذين يدنون من فرضة أثينة من غير أن يعرفوا أين هم، وذلك عندما يستيقظون، بإحساسات كالتي ساورت أوليس حينما وجد نفسه من فوره، وذلك بعد محن كثيرة، أنه لا يزال ناعسا على شاطئ إيتاك، ويبهت أقل مما يزعم، ويحس أن هذا البلد، الذي كانت الأحلام تقاد فيه بالحدس الروائي والخيالات مناصفة، تختار الأحلام مكان المعابد منه على التلال المتألقة. والواقع أن ذلك التل الوطئ المنعزل الوعر الواقع على رأس مستو قد منح أثينة الأمان في بدء تاريخها، ومنحها الجمال الذي حافظت عليه حتى في هذه الأيام مع أن بهاءها ذوى منذ زمن طويل، ولو نقل أكروبول أثينة إلى السهل ما حافظ على عظمته ولشابه معبد تيزة الذي يبدو كالدمية عند سفحه فلا نكترث له على الرغم من إتقانه، وينشأ عن امتزاج هذا التل القديم وموقعه ولونه الزنجاري
113
صفحة غير معروفة