43
الذي خلده القدماء بالحجر والبرونز في الغالب فيفتن ملاح البحر المتوسط في كل زمن، وقد رفق به دوما، وقد عاد غير مهدد، شأن اللقلق في البر، وقد غدا مقدسا لدى الشعراء منذ حمل أريون
44
على ظهره، ووجب أن يكون مقدسا عند الفرسان أيضا؛ وذلك لأن ركوب هذا السمك القافز لا يكون إلا من عمل معلم في الفروسية أو من عمل شاعر مجنون.
وإن ما يحنو به هذا الحيوان ظهره فوق الموج، أو يخرج به جميع جسمه، من لطف ممزوج بمزاح يعد من المناظر التي لا تنسى والتي يحفظ المسافر ذكراها الرائعة.
7
يختلف قسما البحر المتوسط المتفاوتان في أكثر من نقطة، ويرى أن القسم الشرقي الذي ينتهي في الرأس الغربي من صقلية وبالقرب من مرسالة أغنى بحار الكرة الأرضية بالجزر، وإذا عدوت الجزيرتين الكبيرتين سردينية وقورسقة لم تجد في القسم الغربي غير جزائر البليار، وقد أثرت هذه الظاهرة في صفات الأمم التي سيطرت على المنطقتين، فصار الأغارقة قوما من الملاحين ومن التجار بفعل أرخبيلهم، وتحول الرومان الذين هم شعب بري ودولة قارية إلى دولة بحرية بتأثير القرطاجيين، ولكن مع خوضهم معاركهم الحاسمة في البر، وأنشأ الأغارقة أحسن السفن وأجمل الموانئ، وعبد الرومان أفضل الطرق وصنعوا أكمل وسائل النقل، ووضع الأغارقة المغامرون المملوءون هوى ورقة قواعد للجمال والحكمة، ووضع الرومان أساس الدولة والقانون، وأدى تقطع أرض الأغارقة، الذي يرمز إليه بتلك الجزر الكثيرة، إلى تلاشي سياستهم، وأسفر تجمع أرض الرومان عن ظهورهم سادة العالم، وتشابه أثينة ورومة محترقي إهليلج واحد فتبصرهما واقعتين في عالم البحر المتوسط لاجتذاب جميع الأشعة وعكسها.
وما بين الشرق والغرب من ترديد فيوازن بما بين الشمال والجنوب من ترجيع، وبينا تمثل سواحل الشمال بفرضها وجزائرها الكثيرة نقوشا وصورا منيفة ترى نمطية في سواحل الجنوب الأكثر استواء، وتبدو منطقة البحر المتوسط الجنوبية الشرقية التي لا تشتمل على جزائر تقريبا أقل مناطقه وقفا للنظر من الناحية الجغرافية، ومن هذه الصحراء الحجرية خرج التوحيد، خرج دين بلا صور، خرج دين مملوء عظمة، ولكن بلا لون، والحق أن الإله الواحد ظهر من الصحراء وحده.
والحوض يمده البحر الأدرياتي إلى الشرق، ويمتد هذا البحر حتى جبال الألب، ويقع أكبر اتساع له بين فيوم وسرت الأكبر. وليس في شبهي الجزيرة الضخمتين، البلقان وآسية الصغرى، ما يقف النظر على الخريطة إلا حيث يتشعب البلقان ثم يتوارى ليجزأ أمام الساحل الآسيوي إلى مائة خليج ولسان وشبه جزيرة وجزيرة. وقد أدت هذه الجغرافية البالغة الهوى إلى ظهور الأساطير اليونانية التي هي أغنى العوالم الإلهية.
واستدارة إيطالية أجمل الجميع، ومن شتمها أن تشبه بجزمة،
صفحة غير معروفة