143

البحر المتوسط: مصاير بحر

تصانيف

التي «كان البابا يمنح الملوك بها السيف»، غير أن النزاع الأكبر الذي خلده دانتي في «مهزلته الإلهية» انتهى، كما يلوح، بعد صراع ثلاثة قرون، بسلم أمضي بين الإمبراطور والبابا في فورمس سنة 1122 من غير أن يعد أحدهما غالبا، ولم تستقل الكنيسة الألمانية عن رومة، ولم يستقل انتخاب البابا عن الإمبراطور، وأكثر من بابا قوي يحارب إمبراطوره أو يلعنه أو يبعده أو يخلعه، وأكثر من إمبراطور يصنع مثل هذا تجاه باباه، والواقع أن مسألة تفوق القوة لم تنقطع قط.

وكان يوجد في ذلك الدور نوعان من الدين والحياة في بلاد البحر المتوسط، والحق أن الأباطرة لم يحاربوا البابا وحدهم، بل انفصلت عن البابا جمعيات الإخوان أيضا متوجهة نحو نصرانية حقيقية كما وجدت منذ قرون على طرف الصحراء، أي في الأديار الأولى التي تحولت إلى حصون مع أسلحة وكتب وأزودة.

وعاش كل من البابا إينوسان الثالث وسان فرنسوا بجانب الآخر في رومة وأسيز في ذلك الدور؛ أي حوالي سنة 1200.

وبينما كان فرنسوا الأسيزي تام الفتوة منهمكا في الملاذ إذ يطلب الله مداويا المرضى معتنيا بالفقراء، وكان يشابه النصارى الأولين منهاجا، فتبلغ تعاليمه ما وراء البحر المتوسط، ويرقب الغطريس إينوسان ما أدى إليه هذا المجذوب الغريب من رد فعل. وكان هذا البابا من أسرة كونتي الرومانية القوية، وقد رسم على فسيفساء بملامح تذكر الناظر بالمثال الصقلبي، وكانت له هيئة المسيطر، وكان في هذا على النقيض من سان فرنسوا الذي تنم صورته على رجل مأخوذ. وكان إينوسان من اللباقة ما يعترف معه بالجمعية الرهبانية الجديدة التي نالت حظوة لدى الشعب سريعا، ولكن إينوسان أبطل عملها بفرضه عليها نظاما دقيقا وإطاعة وثيقة، وهنالك عدل فرنسوا عن توجيه تلك الجمعية الصاحبة لأملاك كبيرة، وقد مات مؤسسها هذا معدما إلى الغاية.

واتفق لفرنسوا ما اتفق ليسوع وغيره من الأنبياء والفلاسفة الذين تدخلوا في سير التاريخ على الرغم من إرادتهم أحيانا، والذين شوهت تعاليمهم وأسيء تفسيرها فلم يلبثوا أن خاب أملهم عندما أبصروا نتائجها، والذين تمثلوا مذهبهم منعزلين عن العالم على خلاف ما وقع، ولم تعتم هذه المذاهب أن شابهت زورقا روائيا غامر في منطقة زوابع البحر المتوسط بين رأس ماتابان وأقريطش.

20

ينتصب في البيره التي هي ميناء أثينة أسد قديم ظل سليما مدة خمسة عشر قرنا، ولما نقش نوتي اسمه عليه فعل ذلك بحروف يونانية أو لاتينية، وتوجد على الأسد، ذات يوم من سنة 1040، كتابة غريبة لم يسطع أحد أن يفكها، وتلك الكتابة هي رونية كان يستعملها في الشمال، وعلى مسافة ألوف الكيلومترات من البحر المتوسط، أناس شقر الشعور زرق العيون لتسجيل أساطيرهم. ولما بدت هذه الشعوب الشمالية في الجنوب للمرة الأولى نظر القوم، ولا سيما النساء، بعين الحيرة إليها، ولم تكن الجاذبية الجنسية للشعوب الأجنبية في زمن أكبر مما في الزمن الذي ظهر فيه النورمان من أهل الشمال على شواطئ البحر المتوسط.

وكان هؤلاء الآدميون حائزين ما كان يعوز أهل البحر المتوسط من الهيف والجمال؛ أي كانوا ذوي قدود ممشوقة وأبدان ملزة

40

وأوراك ضيقة وشعور شقر ذهبية وعيون لامعة حادة.

صفحة غير معروفة