البحر المحيط في أصول الفقه
الناشر
دار الكتبي
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٤ هجري
مكان النشر
القاهرة
[أَقْسَامُ الْحَدِّ]
[أَقْسَامُ الْحَدِّ] وَأَمَّا أَقْسَامُهُ: فَحَقِيقِيٌّ وَرَسْمِيٌّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: ثَلَاثَةٌ، وَيَزِيدُ اللَّفْظِيَّ، وَعَلَيْهِ جَرَى ابْنُ الْحَاجِبِ، وَمَا ذَكَرْنَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ نُطْقٌ يُفِيدُ تَصَوُّرَ الْمَنْطُوقِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ حَاصِلٍ مِنْ اللَّفْظِيِّ، لِمَا سَنَذْكُرُهُ. فَالْحَقِيقِيُّ هُوَ مَا اشْتَمَلَ عَلَى مُقَوِّمَاتِ الشَّيْءِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْخَاصَّةِ. وَالرَّسْمِيُّ مَا اشْتَمَلَ عَلَى عَوَارِضِهِ وَخَوَاصِّهِ اللَّازِمَةِ. وَرُبَّمَا قِيلَ: إنَّهُ اللَّفْظُ الشَّارِحُ لِلشَّيْءِ بِحَيْثُ يُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي أَكْثَرِ التَّعْرِيفَاتِ، فَإِنَّ الْحَدَّ الْحَقِيقِيَّ يَعِزُّ وُجُودُهُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ، فَلِذَلِكَ كَانَ الْأَكْثَرُ هُوَ الرَّسْمِيُّ. فَإِنَّ الْحَقِيقِيَّ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ جَمِيعِ الذَّاتِيَّاتِ وَغَيْرِهَا وَتَرْتِيبِهَا عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ، وَقَدْ يَتَعَذَّرُ بَعْضُ ذَلِكَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَيْسَ الْحَدُّ إلَّا وَاحِدًا، وَهُوَ الْحَقِيقِيُّ، وَأَمَّا التَّعْرِيفُ بِالرَّسْمِ وَاللَّفْظِ فَلَا يُسَمَّى حَدًّا. فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ، وَعَلَى الْأَوَّلَيْنِ فَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الْحَدَّ يُطْلَقُ عَلَى مُسَمَّيَاتِهِ بِالِاشْتِرَاكِ، كَدَلَالَةِ الْعَيْنِ عَلَى الْبَاصِرَةِ وَالذَّهَبِ وَغَيْرِهِمَا.
1 / 141