بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الرشد
محقق
عبد الكريم بن رسمي ال الدريني
رقم الإصدار
الأولى ١٤٢٢هـ
سنة النشر
٢٠٠٢م
تصانيف
لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي" فيجعل العبد الأمر مفوضًا إلى ربه الذي يعلم ما فيه الخير والصلاح له، الذي يعلم من مصالح عبده ما لا يعلم العبد، ويريد له من الخير ما لا يريده، ويلطف به في بلائه كما يلطف به في نعمائه.
والفرق بين هذا وبين قوله ﷺ: "لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت. اللهم ارحمني إن شئت. ولكن ليعزم المسألة؛ فإن الله لا مكره له"١: أن المذكور في هذا الحديث الذي فيه التعليق بعلم الله وإرادته: هو في الأمور المعيّنة التي لا يدري العبد من عاقبتها ومصلحتها.
وأما المذكور في الحديث الآخر: فهي الأمور التي يعلم مصلحتها بل ضرورتها وحاجة كل عبد إليها. وهي مغفرة الله ورحمته ونحوها. فإن العبد يسألها ويطلبها من ربه طلبًا جازمًا، لا معلقًا بالمشيئة وغيرها؛ لأنه مأمور ومحتم عليه السعي فيها، وفي جميع ما يتوسل به إليها.
وهذا كالفرق بين فعل الواجبات والمستحبات الثابت الأمر بها؛ فإن العبد يؤمر بفعلها أمر إيجاب أو استحباب، وبعض الأمور المعينة التي لا يدري العبد من حقيقتها ومصلحتها، فإنه يتوقف حتى يتضح له الأمر فيها.
واستثنى كثير من أهل العلم من هذا، جواز تمني الموت خوفًا من الفتنة. وجعلوا من هذا قول مريم ﵂: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا﴾ [مريم: ٢٣] . كما استثنى بعضهم تمني الموت شوقًا إلى الله. وجعلوا منه قول يوسف ﷺ: ﴿أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف:١٠١] . وفي هذا نظر؛ فإن يوسف ﷺ لم يتمن الموت. وإنما سأل الله الثبات على الإسلام، حتى يتوفاه مسلمًا، كما يسأل العبد ربه حسن الخاتمة. والله أعلم.
(١) أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم: ٦٣٣٩، ومسلم في "صحيحه" رقم: ٢٦٧٩.
1 / 176