152

بهجة الأنوار

تصانيف

ثم تعلقوا بأشياء منها أنهم قالوا إن الله يخلق للإنسان حاسة سادسة يرى بها، ويجاب بأن ذلك لو سلم فلما لم يوجدها الله لموسى عليه السلام كمعجزة له مع مقامه الرفيع، فإن قيل إن ذلك من حالات يوم القيامة فالجواب أن خرق العوائد بيد الله لا تحده الأزمنة ولذلك لما سئل ابراهيم ربه أن يريه كيف يحي الموتى لم يرد عليه بالنفي لأنه من أعمال يوم القيامة، بل كان الجواب كما تعلم، ومن الحادثتين تتبين أن طلب الرؤية لا يجوز بحال وسؤال ابراهيم جائز لتحققه وكلاهما من خرق العوائد ومن أعمال يوم القيامة.

ومن كلام العلامة المنذري العماني في كتابه "جواب السائل" ص(100) ما مفاده أن توقعهم قلب آلة الإدراك، كي تقدر على الرؤية ليس بشيء، لأن الآلة بعد قلبها تكون آلة حاسة فتقتضي محسوسا لها، وهو نفس الرجوع إلى ما سبق فتبقى شروط المقابلة والجهة.

وأما اعتلال البعض بأن كون موسى عليه السلام يسأل أمرا لا يجوز لا يتناسب مع مقامه وعلمه، وهل المعتزلة ومن وافقهم أعرف من موسى بربهم؟. فهو لا يجدي فتيلا لأن القائلين بإمتناع الرؤية قالوا إن موسى عليه السلام لم يسأل الرؤية لنفسه بل سألها لقومه الذين ألحوا عليه حتى صرحوا له أنهم لن يؤمنوا له حتى يريهم ربهم وقد جاء في القرآن ذلك في أمثال قوله تعالى: { فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم } [النساء : 153] وأما قولهم: أنه لو سألها لهم لقال: رب أرهم ينظرون إليك. فالجواب أن نفيها عنه يدل بطريق الأولى أنهم كذلك، وهي أبلغ وأقطع لطلبتهم، ومفادها أن امتناعها عن نبي مرسل يلزم امتناعها عنكم أيضا، ولهذا أخذتهم الصاعقة!! ولم تأخذه معهم كما في الآية المتقدمة، مع أن الطلب من موسى! عليه السلام مما يدلك أنه سألها لقومه.

صفحة ١٨٤