صَار آنس لَك من ذَلِك الْقَدِيم وأنسك الأول، فَإِن وجدت عندنَا دَوَاء داءك تعالجت بِهِ إِذْ كَانَ الْمَرِيض يحْتَاج إِلَى مُشَاورَة الْأَطِبَّاء، فَإِن أخطأك الشِّفَاء، ونبا عَن داءك الدَّوَاء وَكنت قد أعذرت، وَلم ترجع عَن نَفسك بلائمة فَإِن قتلناك بِحكم الشَّرِيعَة ترجع أَنْت فِي نَفسك إِلَى الاستبصار والثقة، وَتعلم أَنَّك لم تقصر فِي اجْتِهَاد، وَلم تدع الْأَخْذ بالحزم. فَقَالَ الْمُرْتَد: أوحشني مَا رَأَيْت من كَثْرَة الِاخْتِلَاف فِي دينكُمْ. قَالَ الْمَأْمُون: فَإِن لنا اختلافين. أَحدهمَا: كالاختلاف فِي الْأَذَان، وتكبير الْجَنَائِز وَالِاخْتِلَاف فِي التَّشَهُّد، وَصَلَاة الأعياد وتكبير التَّشْرِيق، ووجوه القراءآت، وَاخْتِلَاف وُجُوه الْفتيا وَمَا أشبه ذَلِك وَلَيْسَ هَذَا باخْتلَاف إِنَّمَا هُوَ تخير وتوسعة وَتَخْفِيف من المحنة. فَمن أذن مثني، وَأقَام فرادي. لم يؤثم. من أذن مثني وَأقَام مثنى لَا يتعايرون وَلَا يتعايبون، أَنْت ترى ذَلِك عيَانًا، وَتشهد عَلَيْهِ بَيَانا. وَالِاخْتِلَاف الآخر: كنحو الِاخْتِلَاف فِي تَأْوِيل الْآيَة من كتَابنَا، وَتَأْويل الحَدِيث عَن نَبينَا ﷺ َ - مَعَ إجماعنا على أصل التَّنْزِيل، واتفاقنا على عين الْخَبَر، فَإِن كَانَ الَّذِي أوحشك هَذَا حَتَّى أنْكرت كتَابنَا، فقد يَنْبَغِي أَن يكون اللَّفْظ بِجَمِيعِ مَا فِي التوارة وَالْإِنْجِيل مُتَّفقا على تَأْوِيله كالاتفاق على تَنْزِيله، وَلَا يكون بَين الملتين من الْيَهُود وَالنَّصَارَى اخْتِلَاف فِي شَيْء من التأويلات، وَيَنْبَغِي لَك أَلا ترجع إِلَّا إِلَى لُغَة لَا اخْتِلَاف فِي ألفاظها، وَلَو شَاءَ اللَّهِ أَن ينزل كتبه وَيجْعَل كَلَام أنبياءه، وورثة رسله لَا تحْتَاج إِلَى تَفْسِير لفعل. وَلَكنَّا لم نر شَيْئا من الدّين وَالدُّنْيَا دفع إِلَيْنَا على الْكِفَايَة، وَلَو كَانَ الْأَمر كَذَلِك لسقطت الْبلوى والمحنة، وَذَهَبت الْمُسَابقَة والمنافسة وَلم يكن تفاضل، وَلَيْسَ على هَذَا بني اللَّهِ جلّ وَعز الدُّنْيَا. فَقَالَ الْمُرْتَد: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن الْمَسِيح عبد اللَّهِ وَرَسُوله. وَأَن مُحَمَّدًا صلى اللَّه ﷺ َ - ِ عَلَيْهِ صَادِق. وَأَنَّك أَمِير الْمُؤمنِينَ حَقًا. قَالَ: فانحرف الْمَأْمُون نَحْو الْقبْلَة فَخر سَاجِدا ثمَّ أقبل على أَصْحَابه فَقَالَ: وفروا عَلَيْهِ عرضه. وَلَا تبروه فِي يَوْمه ريثما يعْتق اسلامه كَيْلا يَقُول عدوه أَنه يسلم رَغْبَة، وَلَا تنسوا نصيبكم من بره ونصرته وتأنيسه والفائدة عَلَيْهِ.
1 / 38