العهد الجلائري (740-813)
وجلائر إحدى قبائل المغول الكبرى، نشأ فيها قواد معروفون، اتصل بعضهم بآل جنكيزخان، ومن أشهر الذين ارتقوا مكانا عليا على عهد الدولة الإيلخانية الشيخ حسن بن الأمير حسين الذي انتهز فرصة الضعف في الدولة الإيلخانية؛ فوثب على ملكها واستولى على بغداد سنة 740.
ومن أشهر ولاة بغداد على عهد هذه الأسرة أمين الدين مرجان بن عبد الله مملوك أويس، وأصله من بلاد الروم، وهو منشئ المدرسة والجامع المعروف اليوم بجامع مرجان.
وعلى عهد هذه الأسرة غزا تيمورلنك بغداد أكثر من مرة، أولاها سنة 795، وكانت وطأته عليها هذه المرة خفيفة على خلاف ما عهد فيه من القسوة والغلظة، قيل: إنما فعل ذلك ليستميل إليه البغداديين الذين ضجروا من عسف الشيخ أحمد الجلائري، بل زعم بعض المؤرخين أن البغداديين هم الذين راسلوا تيمور وطلبوا إليه القدوم ليخلصهم من جور السلطان أحمد. ثم عاد إليها السلطان أحمد بعد ابتعاد تيمور عنها، فغزاها تيمور ثانية سنة 803، وفتحها عنوة، وفتك بأهلها هذه المرة فتكا ذريعا، واستحل جنده المدينة أسبوعا كاملا اقترفوا فيه من المنكرات ما يقشعر له جلد الإنسانية.
ولما توفي تيمورلنك سنة 807 عاد السلطان أحمد الجلائري إلى بغداد فملكها سنة 808، وكانت بين السلطان أحمد وبين السلطان قره يوسف التركماني في أول الأمر ألفة انقلبت بعد ذلك إلى وحشة، انتهت بقتل السلطان أحمد واستيلاء قره يوسف على ملكه سنة 813، فأرسل السلطان يوسف ابنه محمدا للاستيلاء على بغداد، فسدت أبوابها في وجهه، وكان يدبر أمرها دوندي خاتون بنت السلطان حسين بن أويس الجلائرية، فلما علمت أن لا قبل لها بمحمد شاه احتالت للخروج من بغداد خلسة، ولما علم البغداديون بذلك فتحوا أبواب المدينة للفاتح الجديد سنة 814.
الفصل الثالث
العهد التركماني (813-914)
القبائل التركمانية تتشعب عن القبائل التركية الكثيرة العدد، ومواطنهم الأصلية بين بلخ وبحر الخزر وديار الروس وإيران، وأكثرهم في الأصل أهل خيام يعيشون عيشة البداوة، وكانت بعض بطونهم تقتني الشياه السود فلقبوه بذلك، فأطلق عليهم اسم «قره قوينلو»، وبعضهم يظن أن شارة الشاة السوداء التي كانت على أعلامهم في قديم الدهر هي السبب في هذا اللقب.
وممن اشتهر من رجال هذه القبيلة السلطان قره يوسف المذكور الذي استولى على ملك السلطان أحمد الجلائري كما مر آنفا، وفي سنة 823 توفي الأمير قره يوسف، ولما شاع موته طمع الناس بابنه محمد شاه صاحب بغداد. وفي سنة 836 تمكن قائد يقال له إسبان من الاستيلاء على بغداد خلسة، وفر منها السلطان محمد شاه، ثم كانت بينهما حروب انتهت بقتل السلطان محمد شاه سنة 837 في بلدة الشيخان، وكانت سيرته في صدر المدة التي حكم فيها بغداد محمودة، ولكنه في السنين الأخيرة من حكمه ضعف واستكان، واختلت الأمور عليه، وفي يوم الثلاثاء 28 من ذي القعدة سنة 848 توفي الأمير إسبان في بغداد ، وكان له ولد صغير اسمه فولاذ، استقر رأي الأمراء والحاشية على توليته وحكم بغداد باسمه، ولم يكن إسبان يمت إلى قره قوينلو بنسب، وكان شديد الوطأة على الناس، ملحا في جمع المال، وبعضهم ينطقه أصبهان. ولعل الأصل كذلك فحرفته العامة، وانتقل أمر بغداد بعده إلى شبه الفوضى، ولم يزل التنازع قائما بين المتغلبة، وبغداد تتحمل أثقل أعباء هذا النزاع إلى أن تسلط عليها جهانشاه ابن السلطان قره يوسف سنة 850، وولى عليها ولده محمدي ميرزا، وكان صغيرا فعهد بتدبير المملكة إلى الأمير عبد الله، وفي 11 من رمضان سنة 852 عزل السلطان جهانشاه ابنه محمدي ميرزا، وعهد بولاية بغداد إلى ابنه بيير بوداق، فأقام بها مدة ثم سافر إلى تبريز، ثم عاد إليها مراغما لأبيه جهانشاه؛ فجهز أبوه جيشا كثيفا وحاصره فيها سنة 869، فدام الحصار نحوا من سبعة عشر شهرا، أخرج في أثنائها بيير بوداق أكثر سكان بغداد إلى خارج السور بعد أن صادرهم ونهب ما عندهم، وانتهى الأمر بتسليم المدينة إلى جهانشاه وقتل ولده بيير بوداق سنة 870، فولى على بغداد بيير محمد الطواشي ورجع إلى تبريز، فحصلت بينه وبين السلطان حسن الطويل من قبيلة آق قوينلو - تركمانية أيضا - وقائع انتهت بقتل جهانشاه سنة 872، فسار حسن الطويل نحو بغداد وحاصرها في 20 رجب سنة 872، وكان فيها بيير محمد الطواشي الذي ولاه جهانشاه. وفي 15 من رمضان ترك حصار بغداد وذهب إلى تبريز، وفي 2 من رجب سنة 873 توفي بيير محمد الطواشي والي بغداد، وأوصى بالولاية إلى حسين بن علي بن زينل، وكان من أهل السيرة الحسنة والأخلاق الفاضلة. وفي 2 من ربيع الآخر سنة 874 توفي حسين بن علي وخلفه أخوه منصور بن زينل، وتوفي في العام نفسه، وفي 14 من جمادى الآخرة سنة 874 استولى جيش السلطان حسن الطويل على بغداد بقيادة ابنه مقصود، وبذلك ابتدأ حكم الدولة التركمانية الثانية المعروفة بآق قوينلو، وكانت تحكم بغداد بواسطة ولاة تعينهم، وكان أكثرهم من أبناء السلطنة، وكانت بغداد تدار على وجه يشبه الاستقلال، أو ما يسميه أبناء هذا العصر «اللامركزية»، ويقال في سبب تسميتها «آق قوينلو» ما قيل في قره قوينلو، وكانت تقيم في جهة ديار بكر.
وأول من اشتهر من رجالها في التاريخ السياسي أحمد بك وبيير علي بك وقره عثمان، وهو من مشاهير الشجعان، ثم حفيده حسن الطويل بن علي، الذي استولى على بغداد وكان مشهورا بالعدل والشهامة وشدة البأس في الحروب، وباستيلائه على بغداد استولى على العراق كله، كما كان قد استولى على الكثير من بلاد إيران، واستقر الأمن وسادت الطمأنينة في بغداد وما حولها. وفي 27 رمضان سنة 882 توفي السلطان حسن الطويل، وخلفه على الملك ولده الأكبر خليل، وفي سنة 883 قتل السلطان خليل وخلفه على الملك أخوه يعقوب بك، وكان على بغداد وال اسمه «كلابي» فعزله السلطان يعقوب في 15 من ذي الحجة سنة 883، وفي 11 من صفر سنة 896 توفي السلطان يعقوب وخلفه على الملك ابنه بايسنقر، وفي سنة 898 قتل بايسنقر واستولى على الملك رستم بك، وتوفي رستم في شهر ذي القعدة سنة 902 وتولى مكانه أحمد بادشاه، وكان رستم هذا شديد الميل إلى النساء، فاستولين على عقله وعبثن بإدارة ملكه. ولم يزل أمراء آق قوينلو يقتتلون فيما بينهم حتى ظهرت الدولة الصفوية عليهم وغلبتهم على أمرهم.
صفحة غير معروفة