190

البدر المنير في معرفة الله العلي الكبير

ومنها قوله تعالى: {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا}(1) ومن أعظم الإحياء استنقاذ الأنفس من النار بدعائها إلى الإيمان، وقوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغ الشرائع وهو من الدعاء إلى الخير ومن معظم أصول الدين لا يعذر الإنسان منه ولو خشي التلف بعد التبليغ مع جهل العوام تفصيل الشرائع أو جملها ما يكونون كفارا أو فساقا بجهله ففي وجوب ذلك يقول الله تعالى: {لتنذر به ومن بلغ}(2) أي ومن بلغه القرآن من بعدك فعرف ما فيه من الإسلام وأحكامه أنذر به على حد إنذارك من تبيين ما فيه وتعليمه والدعاء إليه بالقول والعقل؛ فذلك فرض عين على العلماء لأنهم الذين بلغهم القرآن فعرفوا ما فيه ولذا قال الله تعالى فيهم: {وإذ أخذ الله ميثاق [50أ] الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه}(3) وقوله تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم}(4) فلا يخرج العالم عن عهدة هذه الأدلة وعن اللعنة حتى يجمع العوام ويعلمهم ويبين لهم من الجمل والتفاصيل ما يخرجهم عن الكفر أو الفسق حسب الإمكان، ولا يتهيأ ذلك إلا إذا عرفت العوام أن هناك شأنا عظيما صاحب حل وعقد وإجابة دعوة له عند الله تعالى وذلك إمام الحق من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيجب على العلماء الانضمام إليه، والتبيين على حد تبيينه للناس، والاقتداء، وترك الحسد وكذلك يجب تبيينه بالتدريس لمن طلب مع فعل الطريقة الأولى، وكذلك يجب التصنيف إذا احتيج إليه ضرورة وفي الحديث الذي هو تفسير للآية أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((من كتم علما عنده مما ينفع الله به في أمر الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من النار))(1).

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في وجوب إجابة من دعا إلى الخير من ذريته صلى الله عليه وآله وسلم: ((من سمع داعيتنا أهل البيت ولم يجبها كبه الله على منخريه في نار جهنم))(2).

فيجب الدعاء إلى الخير على حسب الإمكان من غير أن يشار الدعاء إليه بظلم من جور، وكبر، وخيلاء، ورياء، وسمعة، وطرب مزمار شيطان، وافتخار، وتعنيف، وتنفير، وسب من لا يستحق السب وغير ذلك من الكذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ومن إهانة المساكين من أهل الدين، وتقريب الفاسقين، وتبعيد المؤمنين، كأعمال الدولتين والأتراك وأتباعهم من أشياع السوء وعلماء السوء ومن تشبه بهم فله حكمهم لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من تشبه بقوم فهو منهم))(3).

صفحة ٢٤٥