بذل النظر في الأصول
محقق
الدكتور محمد زكي عبد البر
الناشر
مكتبة التراث
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٢ هـ - ١٩٩٢ م
مكان النشر
القاهرة
تصانيف
فإن قيل: لم قلتم إن استحقاق اسم العصيان باعتبار مخالفة الأمر؟ ولم قلتم إن مخالفة الأمر هو الإقدام على ما منع منه؟ قلنا:
أما الأول- فلأن أهل اللغة أعقبوا المعصية على الأمر بحرف الفاء فقالوا: "أمرتك فعصيتني"- عرفنا أن لتقدم الأمر تأثيرًا في استحقاق اسم المعصية، كمن قال لغيره: "إن دخل زيد الدار فأعطه درهمًا" يقتضي أن لدخول الدار تأثيرًا في استحقاق العطية.
وأما الثاني- فالدلالة عليه من وجهين:
أحدهما- أن الله تعالى إذا أمرنا بشيء فلم نفعله كنا عصاة، وإذا ندبنا إلى شيء فقال: "الأولى أن تفعلوه ولكم أن لا تفعلوه" فلم نفعله لم نكن عصاة، وما الفصل بينهما إلا من حيث إن الأمر بالفعل يمنعنا عن الإخلال به، وترغيبنا في الشيء مع التخيير لا يمنعنا عنه.
والثاني- أن العاصي هو المقدم على مخالفة الأمر، إذ لا فرق بين قول القائل: "عصى أمري" وبين قوله: "خالف أمري"، ومخالفة الأمر هو الإقدام على ما منع منه الآمر، لأن ما لا يتعرض له الآمر بمنع، فالإقدام عليه لا يكون مخالفة المر، فإن الله تعالى إذا أمرنا بالصلاة غدًا، فتصدقنا اليوم، لم نكن مخالفين للأمر، لأن الأمر بالصلاة غدًا لا يتعرض لتصدقنا اليوم بمنع.
إذا ثبت هذا [فـ] نقول:
تارك الفعل المأمور به عاص، والعاصي هو المقدم على مخالفة الأمر،
1 / 62