وليس يصح في الأذهان شيء ................ إذا احتاج النهار إلى دليل ما مثلك في قولك هذا إلا مثل من ينكر الشمس في رابعة النهار ، ويقول آتني بدليل على طلوعها ، فهذه الأمة المحمدية اجتمعت على توفير اللحى ، إجماعا كاد لا يشابهه غيره ، لما عرفوا من ثبوت ذلك عن نبيهم عليه أفضل الصلاة والسلام ، وكانت العرب في جاهليتهم تحترم اللحى أي احترام ، وأنتم في إسلامكم قد أهنتموها كل الإهانة ، ألا إن جزها من الكبائر ، لأنه خصال المشركين ، من الأعاجم ، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر يرفعه : ( خالفوا المشركين ، جزوا الشوارب ووفروا اللحى ) ومن حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر : ( بإخفاء الشوارب وإعفاء اللحى ) ومعنى إعفائها توفيرها ، أي تجعل وافرة لا يقطع منه شيء فقطعها منهي عنه ، وجز الشوارب وحلق العانة وتقليم الأظفار مأمور به ، ولا يصح أن يقاس ما كان منهيا عنه على م كان مأمورا به ، فمن قاس ذلك فقد خالف محمد صلى الله عليه وسلم جهارا ، واتبع إبليس في قياسه الفاسد في تفضيل نفسه على آدم ، ولا ينفعكم التعلل بأن في قطعها زينة للنساء ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لعن الله النامصة والمتنمصة والواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والمتفلجات للحسن ) رواه الربيع رحمة الله عليه من طريق ابن عباس ، قال الربيع : النامصة التي تأخذ من شعرها ليكون رقيقا معتدلا ، والمتنمصة التي تفعل بها ذلك ، والواصلة التي توصل شعر رأسها ليقال أنه طويل ، والمستوصلة التي تفعل بها ذلك ، والواشمة التي تجعل الوشم في وجهها أو في ذراعها ، والمستوشمة التي تفعل بها ذلك ، والمتفلجات الاتي يفلجن ما بين أسنانهن للجمال ، وهذه الأصناف من النساء ثبتت عليهن اللعنة من الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، وهن إنما فعلن ذلك للجمال والحسن ، ومن المعلوم أن كل واحد من هذه الأفعال دون جز اللحى ، على أن جزها تشبها بالمشركين من الأعاجم أشباه البانيان وبعض الأعاجم ، لا يرضى ذلك كالفرنسيين ، وفيه أيضا تشبه بالنساء وقد جاء اللعن للمتشبهين بالنساء والمتشبهات بالرجال ، والعلم عند الله .
الفصل الخامس : في السبب الذي دخل النصارى بلاد الإسلام
ذكر المعترض ما يقتضي : أن سبب ذلك فرار بقية أهل الدين بدينهم .
وعميت بصيرته عن موجب ذلك ، وما علم أن السبب الأعظم إنخماد همم الملوك وضلالهم عن السبيل ، واتباعهم الشهوات ، وتعطيلهم الحدود ، وتضيعهم الأحكام ، وتقديمهم السياسة النصرانية على السياسة الشرعية ، واختيارهم الهوى على الحق ، والظلم على العدل ، والدنيا على الآخرة .
فقال ما نصه : وأما التداخل عند المشركين كتداخل الزنجباريين لا يقدرون أن يمتنعوا ، لأن أزمة أمور زنجبار بأيدي المشركين ودواعي الامتحان دائرة في كل حين ، وما ذاك إلا لامتناع الفضلاء من تولية الحكم عند هذه الدولة ، حتى انقاد الأمر إليهم ، وأحاجوا الناس إلى التداخل ، زعما منهم أنه غير جائز ، فهذا الآن الواقع علينا بسبب التخاذل .
صفحة ٤٦