وجوابه : أن هذا التشديد لسلامة دينكم ودنياكم ، وحفظ شرفكم شرف آبائكم ، وصيانة لسانكم الذي هو أشرف الألسنة من الذهاب ، وبذهابه يحال بينكم وبين فهم ما جاء به نبيكم عليه أفضل الصلاة والسلام ، وكفى بهذا مصيبة لمن عقل ! أين العقول معشر الرجال ، وقد استثنيت قدر الضرورة ، فالمنع واقع على ما فوقها ، وهو الذي يقتضيه استدلالكم الباطل ، لو صح في قولكم : أو ليس كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مترجما يهوديا بالعبرانية ؟ إلى آخره ، وهو كلام باطل من أصله ، ولا نعرف من ذكره قبل كلامكم هذا ، والموجود أن زيد بن ثابت كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي وغيره ، وكانت ترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب بالسريانية ، فأما زيدا فتعلمها ، كذا في أسد الغابة ، وقال في السيرة الحلبية : قال زيد بن ثابت : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم بالسريانية ، قال : ( إني لا آمن يهود على كتابي ) فما مر بي نصف شهر حتى تعلمت وحذقت فيه ، فكنت أكتب له صلى الله عليه وسلم إليهم وأقرأ له كتبهم . فهذا شخص واحد لا أشخاص متعددة ، قد اكتفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان السريانية لا العبرانية وكان اللازم على مقتضى استنباطكم من استدلالكم الباطل أن يندفع جل الصحابة أو كلهم في تعلم لعات الأجانب الذين خالطوهم في أيام ظهورهم ، وأول ذلك اليهود بالمدينة ، والروم بالشام ، والفرس بالعراق ، والقبط بمصر ، وهيهات ما كان ذلك من همتهم ، وما كانوا يتداولونها نقلا بالألسن الفصيحة الصحيحة ، فلما خافوا عليه الاعوجاج من مخالطة مثل هؤلاء الذين اندفعتم أنتم في تعلم لغاتهم ، أمروا بإيداعها الدفاتر ، بعد المبالغة في الإنكار على من حرف .
صفحة ٣٨