الإهداء
أشخاص الرواية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الإهداء
أشخاص الرواية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
صفحة غير معروفة
البدوية
البدوية
تأليف
إبراهيم رمزي
الإهداء
إلى العلامة الأمثل والأديب الأجل، زينة شباب مصر، وعمدة رجال العصر، حضرة صاحب العزة الأستاذ الدكتور عبد الحميد بدوي بك سكرتير مجلس الوزراء.
إنك لعاذري إذ أهدي إليك روايتي هذه غير مستأذن لها عليك، بيد أني تمنيت لروايتي الخلود فتوجتها باسمك الكريم؛ ليذكرها التاريخ كلما ذكر الألمعي الحكيم، ولن تأخذني بجريرتي هذي، وإن لم تكن روايتي مما يجمل أن يهدى إلى أدبك الأرفع، فإنك داع في حياتك النبيلة الحافلة بالعظائم إلى أن يكون كل ما نقتبسه عن الغرب موطنا ليستحيل وضعا من أوضاعنا القومية البحتة. وإذ كنت أستشعر هذا المبدأ العالي - على قدري - فقد عملت على تحقيقه منذ اتصلت بعالم الأدب التمثيلي، الذي لم يكن لمصري فيه قبلي نصيب، وكذلك انصرفت عن الترجمة والتعريب إلى التأليف، ووضعت للمرزح المصري - على قدري أيضا - قطعا عربية مصرية، ومصرية عصرية، ومن تلك رواية البدوية هذه التي تمت إليك باسمها، وبروح تأليفها، فقد ناديت ليلة مثلت لأول مرة في دار الأوبرا السلطانية حين تفضل الجمهور الكريم بتحية تشجيع للمؤلف: «إني أريد للتمثيل المصري استقلالا عن الغرب، برواياته وكتابه، كما يريد كل مصري منا الاستقلال التام في كل منحى من مناحي الحياة.» وهو ما تدعو إليه بلسانك، وتجد في تحقيقه بأعمالك، في نطاق أوسع وأشمل بجهد جبار لا يكلف المشقة إلا نفسه الكبيرة، وحكمة عبقري له في الغيب عين بصيرة.
من أجل هذا وذاك، لم أتردد في إهدائها إليك، وإلحاقها بساحتك، وثوقا بارتياحك إلى جهدي وإن قل؛ إذ يبشرك بمستقبل أجل، حين تتجه همتك العالية إلى التمثيل وأدبه، فتقيم ركن استقلاله فيما تقيم اليوم من صروح للوطن العزيز، والله يحفظك للمخلص.
إبراهيم رمزي
مصر الجديدة في 10 مايو سنة 1922
صفحة غير معروفة
أشخاص الرواية
الخليفة الآمر بأحكام الله:
ملك مصر.
أبو علي:
رفيق الخليفة.
أسامة:
أبو البدوية.
حسين بن مياح:
خاطب البدوية وابن عمها.
زياد :
صفحة غير معروفة
عبد أسامة.
أحد المعيدين:
مصري.
معيد آخر:
قاهري.
البدوية:
بنت أسامة ومخطوبة ابن عمها.
ريطة:
أم الأمير حسن بن نزار.
ناعسة:
صفحة غير معروفة
أخت ابن مياح.
فاطمة المغنية:
مصرية من العوام.
عرب، وجند، ونساء قاهريات ومصريات، ومغنيات، وطبالة، وزمارة، ورقاقة، ونافخ في الأرغول ... وإلخ.
العهد: القرن الثاني عشر الميلادي. •••
ألفت هذه الرواية في مارس سنة 1918، ومثلتها فرقة الأستاذ رشدي في الأقاليم، ثم في القاهرة يوم عيد النيروز، وفي الأوبرا في 6 فبراير سنة 1919.
الفصل الأول
الوقت عشي قبل المغرب
يكشف الستار عن وصيد خيمة أعرابي قد فرش أمامها بساط (كليم) مقلم، جلست عليه أميمة البدوية، وأمامها نول نصبت عليه شالا وهي تطرز. والشال من الحرير الأبيض، وإذا تفحصها الناظر وجدها مشتغلة الفكر، مختلجة اللب، قوية النفس، ملئت صراحة وثباتا. أما هي فعينها براقة قوية النظرة، ذات رمش أسود طويل الشعر، يظل خدا أبيض مشربا بحمرة وردية ساحرة، إلى جانبه أنف صغير، حاد العرنين دونه، فم مثل فم الأطفال، طريء ندي صوتها في الحديث، بين النبرة لين النغمة. أما ملابسها، فغطفة زرقاء، وثوب أسود به أسماط من الفضة، وفي قدميها نعل بقبالين، يعلوهما خلخال من الفضة. وعلى الجملة، فهي فتاة لا تمتاز عن مثيلاتها إلا بفرط جمالها، وشدة سحر هذا الجمال.
البدوية (تنظر في النول وتقرأ) :
صفحة غير معروفة
نعمة الحب يا حبيب فؤادي
متعة من نعيم جنة عدن
فاحفظ الحب بالوفاء لتحظى
بنعيم الفردوس في المنزلين
أجل، أجل، سيكون هذا الشال مذكرا لابن مياح بمن تطرزه الآن إذا أبعدته الأسفار عني، وحل عقاله عند الرقاد، لاح له البيتان فتذكر. آه! متى تنقضي أشهر الشتاء حتى أزف إليه وتسعد النفس بجواره ... لقد كان يزورني لا ينقطع عن داري حتى خطبني له أبوه، ليته لم يخطبني. وي ... كلا! كلا! إنا سنجتمع إن شاء الله ولا فراق (تسكت وتنظر في النول مدة، ثم ترفع رأسها كمن سمع صوتا وتنظر هنا وهناك)
من القادم يا ترى؟! إنهم لم يذهبوا إلى البادية إلا منذ قليل (تنادي)
زياد! (تنهض تدفع بالنول إلى جانب، وتنفض ملابسها، وتذهب صوب اليسار)
زياد ... إني سمعت وقع أقدام، أيكون أحد النور قد ألم علينا؟ (تنظر حذرة؛ فهي تمد عنقها كأنها تتسمع وبها شيء من الخوف، هنا تدخل ناعسة ابنة عم البدوية، وأخت ابن مياح، وهي فتاة عربية أكبر من البدوية سنا ... يكون دخولها من اليمين من وراء البدوية على أطراف أصابعها قصدا، فإذا التفتت البدوية ورأتها ذعرت، وأخذت تمسح صدرها بيديها، ثم وقفت يداها فوق ثدييها، وهي تتنهد).
ناعسة :
ها! ها! ها! (تجري إليها تقبلها، وتحتضنها).
صفحة غير معروفة
البدوية :
ويحك ناعسة! لقد أفزعتني كافأك الله.
ناعسة :
لا روع عليك! لا روع عليك! كيف حالك يا ابنة عمي؟
البدوية :
بخير، وأنت؟
ناعسة :
بخير ولله الحمد، ما ظننت أنك وحيدة.
البدوية :
لقد ذهبوا إلى البادية جميعا.
صفحة غير معروفة
ناعسة :
وأين صديقتك النورية؟
البدوية :
من؟ ريطة؟ لقد ذهبت إلى مصر منذ شهر.
ناعسة :
ما علمت ذلك.
البدوية :
كيف تعلمين عنها شيئا، وقد انقطعت عنا مدة طويلة، ليس بين مخيمنا ومخيمكم إلا مسافة ساعة، وي! ماذا جرى؟
ناعسة :
معذرة يا أميمة، إن أبي لم يعد يطيق أن يتولى له الطعام أحد سواي، وأنت تعلمين أن حكاية الطعام هذا لا تنقطع، بالله خبريني لماذا خلقنا الله نأكل ونشرب؟
صفحة غير معروفة
البدوية :
وكيف كان يمكننا أن نعيش؟!
ناعسة :
لا أدري، لم تخبريني لماذا جاءت إليكم تلك النورية يا ترى؟
البدوية :
كيف؟! جاءت ضيفة.
ناعسة :
أجل أجل ... ولكن عهدي بالنور لا يسيرون فرادى.
البدوية :
إنهم قوم فقراء يا ناعسة، وليس من مصلحة الفقير أن يستصحب فقيرا يغالبه على ما ينال.
صفحة غير معروفة
ناعسة :
نحن الفقراء لا هم؛ لأنهم يتسولون، ويسرقون، ويتاجرون بأثمن الأشياء عند الناس، وأرخصها عليهم.
البدوية :
وما هو هذا؟
ناعسة :
العرض.
البدوية :
وي! يتاجرون بالأعراض؟!
ناعسة :
أجل؛ يمرون بالقرى فإذا وجدوا ابنة سائمة غفل عنها أبواها، سرقوها، ثم ظلت معهم كواحدة منهم، حتى إذا كبرت عرفت أساليبهم، ولم تجد في ذلك غضاضة.
صفحة غير معروفة
البدوية :
أستعيذ برب العالمين ... وهل تظنين أن ريطة من هؤلاء؟
ناعسة :
هذا الذي من أجله أردت أن أعرف شيئا عنها؛ لأني ما توهمت أنها منهم، إن بها شيئا من العزة وكبر النفس، وإن كنت أراها أحيانا على شيء من الجرأة.
البدوية :
ذلك لأنها كانت من جواري الخليفة المستنصر كما تقول.
ناعسة :
كانت من جواري الخليفة المستنصر؟!
البدوية :
سمعتها تقول إنها كانت في خدمة ابنه الأمير نزار، ثم هربت يوم نكب.
صفحة غير معروفة
ناعسة :
نزار الذي حاربته قبيلتنا؟
البدوية :
هل حاربت قبيلتنا أحدا من أولاد الخليفة المستنصر؟
ناعسة :
كذلك سمعتهم يتحدثون.
البدوية :
من أجل هذا كان أبي يجادل ريطة ... وريطة تقدح عينها شررا، بل لقد قالت له يوما من الأيام إنه نصر ظالما على مظلوم، ودعت عليه بما فعل.
ناعسة :
دعت عليه؟
صفحة غير معروفة
البدوية :
أجل، ولم تحتشم.
ناعسة :
وماذا قال أبوك؟
البدوية :
ضحك وانصرف، هل كان يستطيع أن يؤذي ضيفه؟!
ناعسة :
كلا! ومع ذلك فإن لأمثال هؤلاء الناس دلالا على الرجال؛ لأنهم لما كانوا يعيشون عيشة الدعارة لم يكن ينتظر منهم أن يتأدبوا.
البدوية :
صدقت، صدقت! بل لقد كان أبي يستطيب حديثها ويأنس بها، ولا يكاد يصبر عنها مع أنها امرأة مسنة.
صفحة غير معروفة
ناعسة :
مسنة؟ ... إن بها أثرا من الجمال تخفيه تحت ذلك الكحل الذي تكسو به وجهها عمدا ... لقد رأيتها يوما وهي تغتسل قبل الرقاد، فرأيت وجهها أبيض كالقمر، نعم! إنها شريرة الطلعة والنظرة، ولكن الرجل ...
البدوية :
خسئت يا ناعسة! أتعنين أن أبي ...
ناعسة :
هاهاها! لا والله، ولكن ...
البدوية :
ويحك ناعسة! لم يكن أبي يأنس بها إلا لأنها كانت تعرف من أخبار الدنيا ما لا يعرفه إلا أمثالها، ولا تبالي في حديثها بشيء مما تعارف عليه الناس من الآداب، وفي هذا فرجة للقلوب أحيانا.
ناعسة :
أكنت تسمعين حديثها مع أبيك؟
صفحة غير معروفة
البدوية :
بعض الشيء، ولكني أعرف ذلك مما كانت تحدثني به هي.
ناعسة :
كيف؟
البدوية :
كانت تحدثني، ولا تحتشم، ولا تذكر أني عذراء.
ناعسة :
كيف ذلك؟ بالله خبريني.
البدوية :
لقد كانت تذكر لي سعادة الزوجين في خلوتهما ... أف ... دعيني!
صفحة غير معروفة
ناعسة :
ها، ها، وهل كان يسوءك هذا؟
البدوية :
كلا، ولكني كنت أخجل، وهي لا ترحمني ... تتبين ذلك مني فتضحك، وتقبلني، وتحتضنني.
ناعسة :
هاهاها! يا ليت أني ...
البدوية :
أعوذ بالله منك يا ناعسة! أتدرين ماذا قالت لي ليلة رحيلها؟
ناعسة :
ماذا؟
صفحة غير معروفة
البدوية :
قالت إنها ذاهبة إلى مصر، وسترقص للخليفة، ثم تذكرني له، وتغريه بزواجي.
ناعسة :
فبماذا أجبتها؟
البدوية :
زجرتها ... بل لقد أهنتها؛ فقالت لي إنها تمزح معي.
ناعسة :
أما والله لئن سمع بك الخليفة لرحل إليك يا أميمة.
البدوية :
لا قدر الله ... لا قدر الله ... لم تحيريني؟ أجئت وحدك؟
صفحة غير معروفة
ناعسة :
أجل! أم زعمت أن يجيء معي ...؟
البدوية :
دعي عنك هذا!
ناعسة :
آه منك يا أميمة ... لقد أصبحت الآن تكتمين كل شيء.
البدوية :
أنا؟! لا والله، ولكن ...
ناعسة :
لم يعد بك حاجة إلي؛ خطبك أخي وارتاح فؤادك، ولم يبق إلا ...
صفحة غير معروفة
البدوية :
ناعسة!
ناعسة :
سأخبره أنك لم تعودي تسألين عنه، ولا تفكرين فيه.
البدوية :
ما أقساك يا ناعسة! تعالي، تعالي اجلسي (تترك لها فضلة من الكليم)
انظري ما على النول.
ناعسة :
ماذا؟
البدوية :
صفحة غير معروفة
لقد أوشكت أن أنتهي من تطريز شال أخيك.
ناعسة :
شال أخي! ألا يزال أخي؟! لماذا لا تسمينه بغير هذا؟ أم يصعب عليك أن تقولي شال عروسي؟!
البدوية :
شال عروسي وسيدي، أيرضيك هذا؟
ناعسة :
كلا!
البدوية :
وي! لا يرضيك؟!
ناعسة :
صفحة غير معروفة