رأيت من بين الراقصات فتاة فرنسوية، وأخرى إسبانية، وثالثة مصرية، وقد رأيت الفرق واضحا بين هؤلاء الأوانس، وأظهر ما يكون الفرق في الحركات؛ فللفرنسويات والإسبانيات حركات في الرقص تشبه حركات الجنود في ميادين الحروب، ولا هم لهؤلاء الفتيات حين يظهرن على المرقص، إلا أن يبهرن الأنظار بخفة الحركة، وسرعة الدوران، في حين أن الراقصة المصرية لا هم لها إلا لفت الأنظار إلى خصرها النحيل، وردفها الثقيل، وخدها الأسيل، وطرفها الكحيل.
ترنو فتنقلب القلوب للحظها
مرضى السلو صحائح الأوصاب
ويحسب الرائي رقص الإفرنج نوعا من الألعاب الرياضية؛ إذ يرى الراقصات يتثنين بسرعة كأنهن ثعابين، ويختفين بسرعة كأنهن شياطين، ولا تكاد الراقصة تبدو حتى تختفي فيحسب - مثلي - أنه كان في حلم، وأن ما رآه طيف خيال. ولا يكاد الملعب يخلو من تلك الغادة اللعوب، حتى يقبل الناس بعضهم على بعض يتساءلون: أي شمائل هذه الغادة أروح للنفس وأمتع للعين؟
فمن قائل: شعورها الذهبية ، ومن قائل: خدودها الوردية ، ومن قائل: ثناياها اللؤلؤية. ويسألني «عفريت الليل» ما رأيك في هذه الفتاة؟ فأعتذر، فيعيد السؤال، فأكرر الاعتذار، فيلح، فأقول: ويحك لم أر منها شيئا، لقد مرت كالبرق الخاطف، فإن شئت هاتها بين يدي، أتأملها قطعة قطعة، كما أتأمل القصيدة بيتا بيتا، وكما أتأمل الرسالة فقرة فقرة، وكما أتأمل الكتاب بابا بابا، ثم أحكم أي ملامحها أحق بأن تسهد من أجله العيون، وتعذب في حبه القلوب.
أما الراقصة المصرية فهي ملك كل عين، وطوع كل قلب؛ إذ تخطر في المرقص، وكأنها الغصن الرطيب، يعبث به النسيم العليل، تقبل فإذا هي هيفاء، وتدبر فإذا هي عجزاء، وترنو برفق إلى كل ناظر، فيحسب كل امرئ أنه مرمى طرفها الناعس، ومهوى قلبها الخافق، فيمسي وهو صريع، وقد تتغنى وهي ترقص، فيروقك ما تسمع وما ترى، حتى لتحسب أنها آلة موسيقية، صورت من ماء اللؤلؤ، أو صيغت من نهود الكواعب، ثم تثوب إلى رشدك، فتذكر أن هذه ليست آلة موسيقية، بل هي إحدى اللواتي كان النيل يغضب قديما فلا يرضى حتى يضم إلى صدره واحدة منهن مفلجة الثغر، وضاحة الجبين.
حوراء إن نظرت إلي
ك سقتك بالعينين خمرا
تنسي التقي معاده
وتكون للحكماء ذكرا
صفحة غير معروفة