لك أن تسابقي الرجال، ولكن ألا يجب أولا أن تنهضي بالنساء؟ فإن كنت في شك من تأخر المرأة المصرية في هذا العصر الذي تكلم فيه الجماد فاسمعي ما يقول الفرنسيون عن نسائهم؛ لتعلمي أن أول واجب على أمثالك هو مسابقة المرأة الأجنبية في ميدان العلوم والفنون، فأما الكيد للرجل، والحقد عليه، والزراية به؛ فهي ضروب من الجنون!
قالت إحدى الجرائد الفرنسوية: «كان آخر نجاح للمرأة الفرنسوية هو قبولها في سكرتارية جمعية محاضرات المحامين، وهذا النجاح من أجل وجوه الفوز الذي تفخر به السيدات المحاميات في دار الحقانية، وقد بلغ عدد هؤلاء المحاميات الفرنسويات اليوم ثمانين سيدة يقمن بمهمة الدفاع أمام المحاكم في فرنسا، ويوشك نجاح المرأة الفرنسوية من هذه الوجهة أن يفوق نجاح المرأة الإنجليزية التي ينتظر أن تفتح أمامها أيضا أبواب دار الحقانية، وكان عدد النساء اللاتي تقدمن إلى امتحان مدرسة الطب أخيرا يزيد على ثلث المجموع، وهو ما يعدنا بتخرج عدد عظيم من السيدات الطبيبات.
وهكذا يعم العلم نساء الطبقات الديموقراطية بعد أن كان مقصورا على أميرات الطبقة الأرستوقراطية، ولا يحصى عدد النساء المستنيرات اليوم، وليس بين السيدات المتعلمات في فرنسا من ليست حائزة دكتوراه في الطب أو غيره من أنواع العلوم.»
لا يدهشك ذلك يا آنسة منيرة فتلك بلاد يبغض أهلها الفضول، ولا يتعلم أبناؤهم وبناتهم غير النافع المفيد، ولقد بلغ الجد بالأوانس في فرنسا أن حلت الفتاة محل الفتى في الوظائف الكتابية الصغيرة، وتبدل الإعلان المعروف من «مطلوب كاتب صغير لمحل تجاري أو مكتب محام» إلى «تطلب فتاة تكتب على الآلة الكاتبة ... إلخ.»
وتقول تلك الجريدة: «وهناك في مكاتب المهندسين أيضا ترى بعض الآنسات يرسمن تصميمات لمبان كبيرة»، فبكل أدب وإجلال أطالب الآنسة منيرة بأن تتناسى آمالها البرلمانية، ثم تقبل بنشاطها على تكوين هيئة من أترابها المهذبات، ثم تعمل هذه الهيئة لنشر المعارف الضرورية بين السيدات والأوانس حتى إذا نهلت المرأة من موارد العلم، وأحست بظهور أثرها في الحياة المصرية؛ فكرت حينئذ في أن تسابق الرجال إلى مقاعد البرلمان. فهل تتقبل مولاتي هذا الاقتراح من كاتب يرجو أن تسمو المرأة بخواصها الذاتية لا بالتكبير والتهليل؟
مرض النوم!
ذكرت جريدة الجورنال الفرنسوية أن فتاة أصيبت بهذا المرض في إحدى القرى الإنجليزية، وأنها لبثت نائمة ستة أسابيع ثم استيقظت فجأة وظلت في يقظتها 13 ساعة، ثم استأنفت النوم، وأنها لا تزال منذ سنة على هذه الحال!
والذي نلاحظه أن المسمى واحد، والأسماء كثيرة، وكان خيرا لو وصف بمرض النوم كل من يقضي «ستة أسابيع» لا يقول فيها كلمة طيبة، ولا يؤيد فكرة صالحة، ولا يحارب بدعة سيئة، فليس لليقظة قيمة إلا بقدر ما فيها من صالح الأعمال.
وليس الذين يفتحون أعينهم وآذانهم ليروا ما لا تحل لهم رؤيته ويسمعوا ما لا يجوز لهم سماعه، بأهل يقظة، ولكنهم غارقون في بحار الغفلة، وهائمون في بيداء الضلالة، تحسبهم أيقاظا وهم رقود.
ومن يدرينا لعل تلك الفتاة تنتفع بساعاتها المعدودة أكثر مما ينتفع بعض الناس بعمره الطويل، وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون.
صفحة غير معروفة