تدوم على حال ولا وردة الخد
ولقد يعجب قارئ هذا الخطاب حين يرى كاتبا يعتقد أن الجمال ملك للعيون النواظر، وأن البخل به إثم وعقوق، ولكنه لو أنصف لعرف أن النفس الطاهرة كثيرة الشطط، وأن صاحبها لا يسلم من الإسراف. ورحم الله ذلك العهد الذي كنت أعيش فيه بأمل غير محدود؛ على أنني لا أمنع أحدا من أن يسيء الظن بما كتبت منذ سنين، فإن الذي يطمع في معرفة النفس البشرية لا يبخل بوضع نفسه على المشرحة؛ ليسهل عليه وعلى غيره التحليل. ومثلي في ذلك مثل الطبيب المخلص لعلمه، لا يبخل بتضحية نفسه وهو يفحص صرعى السل والتيفوس، فهل يعقل هؤلاء الذين يطيعون أهواءهم وشهواتهم، فينسون أنفسهم، ويسلقون إخوانهم بألسنة حداد؟
إن قليلا من الروية والأناة لكاف لسلامتنا من الزلل والعثار، حين الحكم على ما يعمل الناس وما يقولون.
وخلاصة القول أننا مسئولون عن النظر في أنفسنا؛ لأن الذي يعجز عن معرفة نفسه، وما فيها من العجائب والغرائب، لا أمل له في أن يعرف نفس سواه، وهو إن فكر في الحكم على غيره، فإنما يجوب البيداء في الليلة الظلماء.
ظلام الليل
وجن علي الليل حتى حسبته
جفاء كريم أو رجاء لئيم
لا تسبوا الدهر!
لقيني أحد أصدقائي في الأسبوع الفائت وبادرني بقوله: لقد أغضبت الزمخشري حين فسرت قوله تعالى:
وفي أنفسكم أفلا تبصرون ! وقد عزمت - بحول الله وقوته - أن أغضب الزمخشري مرة ثانية بتأويل قوله - عليه السلام: «لا تسبوا الدهر؛ فإن الدهر هو الله»! فليس معنى هذا الحديث أن الدهر اسم من أسماء الله، كما توهم ذلك كثير من الفقهاء؛ ولكن معناه أن الدهر الذي تسبونه - وهو نظام الكون الذي تحرمون كل شيء حين تخرجون عليه - هو عند الله - كاسمه - واجب التقديس.
صفحة غير معروفة