قل لي - بربك - ما أنت صانع لو زرت الأهرام، وكنت ممن رزقوا الشعر الفصيح، والخيال البديع، أتغرب في وصفها بالوسامة الشاملة، والقسامة الكاملة، وتتغنى بارتفاعها الباهر، واتساعها النادر، فتسلك سبيل الفاهمين من أهل مصر القديمة، والغافلين من أهل مصر الحديثة، أم أنت سالك غير تلك السبيل، وخائض في غير ذاك الحديث؟
ما زلت أسمع الشعراء من حولي يتغنون بالحضارة القديمة، ويشيدون بذكر الفراعنة، ويلهجون بمجد العرب، كأن مصر ما زالت سيدة العالم، وكأن رجالها ما زالوا خير الرجال، وكأن العرب ما زالوا سادة المشرقين وقادة المغربين، قاتلكم الله! تضحكون في موضع البكاء، وتفرحون في موقف الحزن، ولو كانت لكم ضمائر شاعرة وبصائر ناظرة، لبكيتم مع الباكين، ونحتم مع النائحين، فقد ذلت هذه الآثار بذلكم وضعفت بضعفكم، وأضحى هرم خوفو.
كأن الصبا توفي نذورا إذا انبرت
تراوحه أذيالها وتباكره
لقد كثر شعراء مصر، وتوفروا على معنى واحد، كما تكثر الأشجار في بقعة واحدة، فيأكل بعضها بعضا ثم لا تزهر ولا تثمر.
وقصارى أحدهم أن يفتخر بأنه مصري أو عربي، يريد أنه من بقايا الفراعنة، أو من سلالة الأفيال.
أهؤلاء الجبناء، الذين يخافون ظلهم، ويهابون طيفهم، من ذرية أولئك الذين أخضعوا الأرض وهموا بمحاولة السماء فحاربوا الناس تارة، ونازعوا الآلهة أخرى؟
أهؤلاء من سلالة ذلك الذي قال: يا هامان! ابن لي صرحا، لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى؟
تعالى الله في سمائه، وكفر فرعون وهامان، ولكن أليس من العجب أن ينتسب هؤلاء الأصاغر إلى أولئك الأكابر وهم أذل من قراد بمنسم، وأضيع من الأيتام على مائدة اللئام؟!
ولقد يذكرون أن المأمون قال لوزرائه يوم زار أهرام مصر: إنها مبان جليلة، ومنازل شامخة، ولكنها لا تستحق أن يحاول صاحبها السماء لينازع الإله، فقال له بعضهم: يا أمير المؤمنين إن الله يقول:
صفحة غير معروفة