ولما اشتهر أمرها وكثر عدد أتباعها ومريديها، خاف علماء المدينة ظهور بدعة، وخشوا الفتنة، فشكوها إلى الوالي، فاستقدمها هذا إليه وألقى بين يديها صرة من الذهب وطلب إليها أن تغادر المدينة، فرفضت المال وتركت المدينة ليلا دون أن يصحبها أحد من الناس. ثم توجهت إلى الأستانة فحلب فدمشق فحمص فطرابلس.
وكانت في كل مدينة من هذه المدن تثير ما سكن في نفوس الناس، وتشعل ما خمد في وجدانهم، فيلتفون حولها ويصغون إلى محاضراتها وأحاديث اختباراتها العجيبة مجذوبين بعوامل قوية سحرية. غير أن أئمة الدين وشيوخ العلم في كل بلد، كانوا يصادرونها ويفندون أقوالها ويعرضون بها إلى الحكام.
بعد ذلك طلبت نفسها العزلة، فجاءت هذا المكان منذ أعوام واستوحدت به زاهدة متعبدة منصرفة عن كل شيء سوى التعمق في الأسرار الربانية.
هذا قليل من كثير أعرفه عن حياة آمنة العلوية، أما ما حباني الله بمعرفته عن ذاتها المعنوية وما يتآلف في نفسها من القوى والمواهب فليس بإمكاني الكلام عنه الآن. ومن من البشر، يا ترى، يستطيع أن يجمع الأثير المحيط بهذا العالم في كؤوس وأكواب؟
نجيب (متأثرا) :
أشكر لك، يا سيدي، ما تفضلت وحدثتني به عن هذه المرأة العجيبة. لقد ضاعفت شوقي إلى الوقوف بحضرتها.
زين العابدين (يتفرس فيه دقيقة) :
أنت مسيحي، أليس كذلك؟
نجيب :
نعم، ولدت مسيحيا، غير أنني أعلم أننا إذا جردنا الأديان مما تعلق بها من الزوائد المذهبية والاجتماعية وجدناها دينا واحدا.
صفحة غير معروفة