108

بدائع الفوائد

الناشر

دار الكتاب العربي

رقم الإصدار

الأولى

مكان النشر

بيروت

تصانيف

الحديث
من جوهر الحرف تارة وتارة من صفته ومن اقترانه بما يناسبه ومن تكرره ومن حركته وسكونه ومن تقديمه وتأخره ومن إثباته وحذفه ومن قلبه وإعلاله إلى غير ذلك من الموازنة بين الحركات وتعديل الحروف وتوخي المشاكلة والمخالفة والخفة والثقل والفصل والوصل وهذا باب يقوم من تتبعه سفر ضخم وعسى الله أن يساعد على إبرازه بحوله وقوته ورأيت لشيخنا أبي العباس بن تيمية فيه فهما عجيبا كان إذا انبعث فيه أتى بكل غريبة ولكن كان حاله فيه كما كان كثيرا يتمثل: تألق البرق نجديا فقلت له ... يا أيها البرق إني عنك مشغول ولنذكر من هذا الباب حال اللفظ في إفراده وتغييره عند زيادة معناه بالتثنية والجمع دون سائر مغيراته فنقول لما كان المفرد هو الأصل والتثنية والجمع تابعان له جعل لهما في الاسم علامة تدل عليهما وجعلت آخره قضاء لحق الأصالة فيه والتبعية فيهما والفرعية فالتزموا هذا في التثنية ولم ينخرم عليهم وأما الجمع فإنهم ذهبوا به كل مذهب وصرفوه كل مصرف فمرة جعلوه على حد التثنية وهو قياس الباب كالتثنية والنسب والتأنيث وغيرها وتارة اجتلبوا له علامة في وسطه كالألف في جعافر والياء في عبيد والواو في فلوس وتارة جعلوا اختصار بعض حروفه وإسقاطها علامة عليه نحو: عنكبوت وعناكب فإنه لما ثقل عليهم المفرد وطالت حروفه وازداد ثقلا بالجمع خففوه بحذف بعض حروفه لئلا يجمعوا بين ثقلين ولا يناقض هذا ما أصلوه من طول اللفظ لطول المعنى وقصره لقصره فإن هذا باب آخر من المعادلة والموازنة عارض ذلك الأصل ومنع من طرده ومنهم جمعهم فعيل وفعول وفعال على فعل كرغيف وعمود وقذال على رغف وعمد وقذل لثقل المفرد بالمدة فإن كان في واحده ياء التأنيث فإنها تحذف في الجمع فكرهوا أن يحذفوا المدة فيجمعوا عليه بين نقيضين فقلبوا المدة ولم يحذفوها كرسالة ورسائل وصحيفة وصحائف فجبروا النقص بالفرق لا أنهم تناقضوا

1 / 109