ماذا كانت علتها؟ كيف ذهبت بحياتها هذه العلة؟ الله وحده يعلم هذا.
وهنا يرتفع صياح آخر ويتصل ويشتد، وهنا يظهر اضطراب آخر ويتصل ويشتد، ولكنه ليس صياح الطفلة ولا اضطرابها، وإنما هو صياح هذه الأم وقد رأت الموت، واضطرابها وقد أحست الثكل.
6
وإذا الشبان والصبيان قد فزعوا إلى أمهم وسبقهم إليها الشيخ، وإذا هي في جزع وهلع ينطق لسانها بألفاظ لا صلة بينها، ويقطع الدمع صوتها تقطيعا، وإذا هي تلطم خديها في عنف متصل، وزوجها ماثل أمامها لا ينطق لسانه بحرف، وإنما تنهمر دموعه انهمارا، وإذا الجارات والجيران قد سمعوا هذا الصياح فأقبلوا مسرعين. فأما الشيخ فينصرف إلى الرجال يتقبل عزاءهم في قوة وجلد. وأما الشبان والصبيان فيتفرقون في الدار، قد قست قلوب بعضهم فنام، ورقت قلوب بعضهم فسهر، وأما الأم ففيما هي فيه من جزع وهلع، أمامها ابنتها هامدة جامدة، تولول
7
وتخمش وجهها وتصك صدرها، ومن حولها بناتها وجاراتها يصنعن صنيعها؛ يولولن ويخمشن الوجوه ويصككن الصدور حتى ينقضي الليل كله.
وما أشد نكر هذه الساعة التي أقبل فيها بعض الناس واحتملوا الطفلة ومضوا بها إلى حيث لا تعود! كان ذلك اليوم يوم الأضحى، وكانت الدار قد هيئت للعيد، وكانت الضحايا قد أعدت، فيا له من يوم! ويا لها من ضحايا! ويا نكرها من ساعة حين عاد الشيخ إلى داره مع الظهر وقد وارى ابنته في التراب!
منذ ذلك اليوم اتصلت الأواصر
8
بين الحزن وبين هذه الأسرة؛ فما هي إلا أشهر حتى فقد الشيخ أباه الهرم، وما هي إلا أشهر أخرى حتى فقدت أم الصبي أمها الفانية.
صفحة غير معروفة