4
عند الله رفيع المكانة عنده، وهل يرضى الله أن يرد صبيا مكفوفا حين يطلب إليه أمرا من الأمور متوسلا بقراءة القرآن!
وكانت «عدية يس» مراتب: أولاها؛ أن يخلو الإنسان إلى نفسه فيقرأ هذه السورة من سور القرآن أربع مرات، ثم يطلب ما يشاء وينصرف. والثانية: أن يخلو إلى نفسه فيتلو هذه السورة سبع مرات، ثم يطلب ما يشاء وينصرف. والثالثة: أن يخلو إلى نفسه فيتلو هذه السورة إحدى وأربعين مرة لا يفرغ من قراءتها مرة حتى يتبعها بدعاء يس: «يا عصبة الخير بخير الملل»، فإذا أتم القراءة طلب ما شاء وانصرف. والبخور محتوم في هذه المرتبة الثالثة، وكان الشيخ يكلف ابنه العدية الصغرى في صغار الأمور، والوسطى في الأمور الهامة، والكبرى في الأمور التي تمس حياة الأسرة كلها؛ فإذا سعى في أن يدخل أحد أبنائه في المدرسة مجانا فالعدية الصغرى، وإذا التمس إلى الله أداء دين ثقيل فالعدية الوسطى، وإذا رغب في أن ينتقل من عمل إلى عمل وأن يزاد راتبه جنيها أو بعض الجنيه فالعدية الكبرى. وكان لكل عدية أجر: فأما العدية الصغرى فأجرها قطعة من السكر أو الحلوى، وأما العدية الوسطى فأجرها خمسة مليمات، وأما العدية الكبرى فأجرها عشرة، وكثيرا ما خلا الصبي إلى نفسه وقرأ سورة يس أربعا أو سبعا أو إحدى وأربعين، ومن عجيب الأمر أن الحاجات كانت تقضى دائما، وما هي إلا أن تم اقتناع الشيخ بأن ابنه مبارك، وبأنه أثير عند الله.
ولم يكن أمر السحر والتصوف مقصورا على قضاء الحاجات والتنبؤ بما سينجلي عنه الغيب، وإنما كان يتجاوز هذا كله إلى دفع المكروه واتقاء النكبات. وقد نسي الصبي أشياء كثيرة، ولكنه لم ينس هذا الرعب الذي ملأ قلوب الناس جميعا في المدينة وما حولها من القري؛ حين وصلت إليهم الأخبار من القاهرة بأن نجما ذا ذنب سيظهر في السماء بعد أيام؛ حتى إذا كانت الساعة الثانية بعد الظهر مس الأرض بطرف من ذنبه فإذا هي هشيم
5
تذروه الرياح. فأما النساء وعامة الناس فلم يحفلوا بهذا أو لم يكادوا يحفلون به، وإنما كانوا يشعرون بشيء من الرعب كلما تحدثوا بهذه النازلة أو سمعوا الحديث عنها، ثم لا يلبثون أن ينصرفوا إلى ما هم فيه من حياة عملية. وأما المتفقهون في الدين وحملة القرآن وأصحاب الطرق وتلاميذهم فكانوا هلعين
6
مروعين حقا، لا تكاد تستقر قلوبهم بين جنوبهم، وكانوا يتحاورون
7
في ذلك تحاورا متصلا؛ فمنهم من يزعم أن هذه الكارثة لن تقع؛ لأنها مخالفة لما عرف من أشراط
صفحة غير معروفة