ونحن لا نشك أن الرجل الذي يأكل بالعراق أربع جرادق في مقعد واحد من الميساني والموصلي، أنه لا يأكل من أقراص المدينة قرصين؛ ولو كان ذلك لغلظ فيه أو لفساد كان في حبه وطحينه لظهر ذلك في التخم وسوء الاستمراء، ولتولد على طول الأيام من ذلك أوجاع وفساد كثير.
ولم يكن بها طاعون قط ولا جذام.
وليس لبلدة من البلدان من الشهرة في الفقه ما لهم ولرجالهم، وذكر عبد الملك إبن مروان روح بن زنباع فمدحه فقال: جمع أبو زرعة فقه الحجاز، ودهاء العراق، وطاعة أهل الشام.
[8- مصر]
فصل منه: قال أبو الخطاب: لم يذكر الله جل وعز شيئا من البلدان باسمه في القرآن كما ذكر مصر، حيث يقول: وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه . وقال: فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين وقال: وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وقال تعالى: اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وقال في آية: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي.
وذكر مصر في القرآن بالكناية عن خاصة اسمها، فمن ذلك: وقال نسوة في المدينة امرأت العزيز تراود فتاها عن نفسه قالوا: هي مدينة منف، وهو موضع منزل فرعون.
وأخبرني شيخ من آل أبي طالب من ولد علي صحيح الخبر: منف دار فرعون، ودرت في مجالسه ومثاويه وغرفه وصفافه، فإذا كله حجر واحد منقور؛ فإن كانوا هندموه وأحكموا بناءه حتى صار في الملاسة واحدا لا يستبان فيه مجمع حجرين، ولا ملتقى صخرتين فهذا عجب. ولئن كان جبلا واحدا، ودكا واحدا، فنقرته الرجال بالمناقير حتى خرقت فيه تلك المخاريق، إن هذا لأعجب.
صفحة ١١٣