الحلم يتجمع تحت ضلوعي، حلم قديم، أقدم من الذاكرة والتاريخ، أصدق حلم هو حلم الطفولة، ينفصل عن زمانه ومكانه، يصبح أكثر صدقا وأكثر نقاء، يتوالد مع الزمن.
أحتضن الحلم وأنا نائمة، أهدهده، إنه طفلي المقدس، تحوطه هالة من البراءة، يتحول في النوم إلى الجسد الدافئ، ذراعاه تلتفان حولي كذراعي أمي، إن هجرني تتسرب مني قوتي، يتملكني الحنين إليه، كأنما هو حرارة القلب، الطاقة المحركة لجسدي، إن زاد علي الحد يصبح شلالا هادرا من الغضب يكتسحني، يدمرني وأنا نائمة في الليل، يهدأ الشلال نهرا وادعا حنونا أو شعاعا دافئا من الشمس.
في الصبح أفتح عيني وأنظر في عيني أختي «ليلى» أو أخواتي الأخريات، أبحث في عيونهم عن ذلك الشيء أو الحلم الذي يؤرقني في الليل، عيونهم كانت صافية هادئة لا تكشف عن أرق أو شيء ينغص عليهم النوم، في المدرسة أيضا كنت أنظر في عيون البنات، أبحث في الجامعة، في كلية الطب، أنظر في عيون الزميلات والطبيبات، وكل من أرى من النساء، أحملق داخل عيونهم باحثة عن ذلك الحلم.
ربما خيال وليس حقيقة، الحلم يبدو لي كالحقيقة، جزءا من الحقيقة، عقلي الباطن كان يصحو في النوم، يتحرك داخل رأسي، يجعلني أطير وأحلق في السماء، في جوف البحر، في بطن الأرض، وأموات داخل القبر.
العقل الباطن مثل المخزن أو البئر، ترسب في القاع الأشياء الثقيلة على القلب، تطفو على السطح الأشياء الخفيفة، الطيران والفرح، أفتح عيني في الصباح مشرقة مثل الشمس، قلبي يخفق لليوم الجديد بدم جديد، النوم غسلني من أحزان الأمس، كيف؟ كأنما لم يكن هناك أمس.
الحب الأول
فتحت نافذتي ذلك الصباح في بداية خريف 1941م، البرودة رقيقة، أول برودة بعد قيظ الصيف، الحقول ممدودة، أمام عيني بساط أخضر، شجرة كبيرة في الحديقة المجاورة، ملونة بجميع الألوان، حمراء، زرقاء، صفراء، خضراء، برتقالية، فضية، ذهبية، ترتعش أوراقها تحت الهواء، عصافير الجنة، تتساقط إلى الأرض، ترتجف فيها بقايا الروح.
قلبي يخفق تحت ضلوعي، أنا على موعد مهم، أنتظر حدوث شيء غير عادي، هذا اليوم لا يبدو كغيره من الأيام، يوم خارق للعادة، جسدي ينتفض مع انتفاضة وريقات الشجر، عيناي متسعتان، أذناي مرهفتان، تحاولان التقاط الصوت، أي صوت؟!
أينبعث من السماء؟ كان يأتي من الفرندة العلوية في الدور الثاني، متفردا ليس أي صوت، يلامس أذني، يسري من عنقي إلى صدري، يهبط إلى قدمي، يصعد إلى رأسي مع دورة الدم.
غناء مع دقات على العود، يغني لي وحدي، ليس في الكون أذن غير أذني تلتقطه من جزيئات الهواء، حفيف أوراق الشجر يتحول مع النسمة إلى شدو غناء.
صفحة غير معروفة