1
نوال السعداوي
القاهرة
22 مارس 2017
الفصل الأول
التهديد
فيضان من الخضرة يزحف مع الربيع على غابة ديوك، الزرقة الفيروزية تذكرني بسماء قريتي في طفولتي، هنا «كارولينا بلو»، الولاية اسمها نورث كارولينا، إحدى ولايات الجنوب على الشاطئ الشرقي لأمريكا الشمالية، المدينة صغيرة تشبه القرية، اسمها ديرهام.
نحن في بداية الربيع عام 1993م، النوافذ تطل على الحديقة «الروز جاردن»، بدأت ورودها تتفتح بجميع الألوان، القاني الأحمر بلون الدم، الأبيض الفضي، الأصفر الكهرماني، الأرجواني والزنبقي، عبيرها يسري داخل مسام جسدي، نسمة الدفء الأول بعد برد الشتاء، أفرد أصابعي، أنشد اليقين، جسدي هو اليقين الوحيد، يبدو جسد امرأة، يسمونها هنا «بروفيسير دكتر ساداوي»، ثلاث كلمات غريبة أسمعها كل يوم، تتردد على ألسنة الطلبة والطالبات، يجلسون في الفصل منتبهين كما كنت أفعل وأنا في العشرين من العمر، حين كنت طالبة بكلية الطب بجامعة القاهرة منذ أربعين عاما .
أنهض من السرير بحركة حذرة، أخشى من أن أصحو من النوم ويتبدد الحلم، في المرآة رأيتها واقفة، قامتها الطويلة كما كانت، انحناءة خفيفة تحوم حول الكتفين، بشرتها سمراء بلون طمي النيل، شعرها الأبيض غزير منكوش، جلبابها مكرمش من القطن المصري، فيه زهور صغيرة وردية، قدماها كبيرتان مثل قدمي جدتها الفلاحة، الشبشب من نوع «زنوبة»، اشترته من دكانة صغيرة في قريتها كفر طحلة.
هذه اللحظة دخل زوجها غرفة النوم، رآها واقفة أمام المرأة: «صباح الخير يا نوال.» انتبهت إليه، عادت ذاكرتها فجأة: «صباح الخير يا شريف.» جاءا معا إلى جامعة ديوك منذ يناير الماضي، في وطنها كانت حياتها مهددة، اسمها وضعوه في قائمة الموت، حراسة مسلحة حول بيتها ليل نهار، البودي جارد يلازمها حيثما ذهبت، كان السفر هو الوسيلة الوحيدة لإنقاذ حياتها.
صفحة غير معروفة