فوالله إن الحب خير محاسني
ووالله إن الحب شر عيوبي •••
هذه رسالة لن أبعث بها، رسالة مني أنا وإلي أنا، أكتبها اليوم لأقرأها غدا، فقد - والله - كاد هذا الحب يجعلني على اختلاف أيامه أشخاصا مختلفين متناكرين، حتى إنه ليحتاج شخص الغد أن يتعرف ماذا كان خبر شخص الأمس؟
أكتبها لنفسي، ومتى تنفس غد هذا اليوم النحاسي
2
من فجره الذهبي، وأخذت تتسلى هموم يوم في يوم آخر، وضربت موجة من الزمن موجة أخرى فهزمتها إلى الساحل الذي تموت فيه الأمواج، ساحل النسيان المحيط ببحر الحوادث؛ لتتكسر عليه أمواجها العاتية ضربة ضربة. ثم تنسحق وتتلاشى - فحينئذ أقرأ في رسالتي هذه تاريخ الألم الذي بلغ مني الغيظ، ودك أطوادا شامخة من الصبر كنت ألوذ بها في رمضاء الحب، حتى عادت ظلاما كظلال الحصى لا تفيء إليها النملة ...
وأقرؤها ثم أمزقها من سطرها الأعلى إلى سطرها الأسفل، ثم أنحي عليها من كل جهة تقطيعا حتى أدعها مزقا بعدد كلماتها، ثم أبسط بها كفي إلى الريح، وأقول لها: أيتها الريح التي لا يستطيع أن يرد هبوبها أحد ولا أن يلويها عن وجهها، إن هذا كله ريش طائر من طيور الحب ذبحه الهجر فخذيه إلى حيث لا تلتقي واحدة بواحدة، وانثريه في أمكنة منسية، فإنك تبعثرين به خفقات هذا القلب الذي يحاول أن ينسى ! •••
واها لحوادث الحب، كأنما هي تقع لتغير من الحياة في أيام قليلة ما يغير العمر الممتد في سنوات متطاولة. سل الشيخ الفاني الذي أوفى على المائة فأصبح عمره في الإنسانية صفرين إلى عود
3 ... سله: من أنت؟ يقل لك: أنا الذي كنت أنا من أربعين! بل خمسين بل ستين سنة، ... وسل المحب الذي أضناه الحب. من أنت؟ يقل لك: أنا الذي كان هو من شهر أو شهرين أو ثلاثة! ... وسلني أنا في الهجر لا بل دعها هي تسألني ...
ألا إن شر الحوادث هي تلك التي تنزل بنا فلا نعرف منها إلا أننا كنا نعيش من قبلها، وتتقدم الحياة يوما بعد يوم، ولكن الحي جامد في مكانه من الزمن على ألم يتوجع له ما يبرح أو ذكرى يحن إليها ما يزال!
صفحة غير معروفة