بقوة كقوة الأحلام: لا تدع في الكون أبعادا ولا مسافة بل تحويه كما تحوي المرآة الصورة التي تقابلها، تتراءى فإذا هي مرسومة كما هي منظورة، ولكن يا أسفاه! لقد أرتني الحقيقة أن الحياة مادة، وأن هذه المعاني المحبوبة التي نحفظها ممن نحبهم لا تزال تنازع دائما إلى أشخاصها المحبوبين؛ ليخففووا من لوعتها أو قل ليزيدوا في لوعتها - فإن الحب هو الطرف الشاذ الذي لم يعرف له وسط، فإن لم يكن ذاهبا إلى الزيادة مطردا بها، كان غير شك منحدرا إلى النقص مستمرا فيه.
الحياة مادة يا صديقي، فإذا أنا لم أقل كلمة وأسمع ردها، أو أخط سطرا أو أقرأ مثله، أو أرسل نظرة وأتلقى جوابها، فإن الفكر الذي يسعدني في كل شيء هو نفسه الذي يعذبني حينئذ بأحب الناس إلي، يعذبني بك حين لا أراك!
أما والله يا عزيزتي إن في دون هذا للبلاغة كل البلاغة، فكلامك بيان كإشراق الضحى، وهو مثلك فوق وصف الواصف، وإن فيك لمنبع سحر كالنهار الذي ينبع من شمسه، فلا تخط أناملك سطرا إلا تضوأت فيه الحياة،
4
ولا أقرأ لك لفظا تكتبينه إلا بمعنى منه ومعنى منك.
بل لا أراك تجمعين ضميري وضميرك معك في كلمة
5
إلا أحسست أنه لقاء بيننا في لفظ ...
وإن كتابك ليأتيني وكأنه صفحة مرآة مسحورة بسر من أسرار الحياة: لا تلبث عيني أن تدور فيها دورة فإذا أنت ماثلة، وإذ أنا لا أقرأ كلامك بل أقرأ وجهك!
ولما طلعت لي في هذا الكتاب، ألقيت نفسي من شفتي على شفتيك، وما أسرع ما نبهني مس الصحيفة، فنظرت فإذا أنا أقبل كلمتك البديعة: إن الحياة مادة.
صفحة غير معروفة