عون المعبود شرح سنن أبي داود

محمد شمس الحق العظيم آبادي ت. 1329 هجري
59

عون المعبود شرح سنن أبي داود

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤١٥ هجري

مكان النشر

بيروت

الَّذِي جَاءَ بِهِ الْفِعْلُ فَفَسَّرَ الْمُطْلَقَ فِي الْقَوْلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الْعِبَادَاتِ الَّتِي لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا التَّعْلِيلُ وَبِهَذَا يُرَدُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ أَيْضًا فَإِنَّ الْعِبَادَاتِ إِنَّمَا تُفْعَلُ عَلَى الرَّسْمِ الْوَارِدِ دُونَ نَظَرٍ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الْمَعْنَى وَقَوْلُهُ تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ مِثْلُهُ فِي حَصْرِ الْخُرُوجِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي التَّسْلِيمِ دُونَ غَيْرِهِ ــ [حاشية ابن القيم، تهذيب السنن] كَثِير مِنْهُمْ فِيهِ خِلَافًا وَرُبَّمَا ظَنَّهُ بَعْضهمْ إِجْمَاعًا وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَط لَهُ الطَّهَارَة وَهَذَا قول كثير من السلف حكاه عنهم بن بَطَّالٍ فِي شَرْح الْبُخَارِيِّ وَهُوَ قَوْل عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ فِي صحيحه فقال وكان بن عُمَرَ يَسْجُد لِلتِّلَاوَةِ عَلَى غَيْر وُضُوء وَتَرْجَمَة الْبُخَارِيِّ وَاسْتِدْلَاله يَدُلّ عَلَى اِخْتِيَاره إِيَّاهُ فَإِنَّهُ قَالَ بَاب مَنْ قَالَ يُسْجَد عَلَى غَيْر وُضُوء هَذَا لَفْظه وَاحْتَجَّ الْمُوجِبُونَ لِلْوُضُوءِ لَهُ بِأَنَّهُ صَلَاة قَالُوا فَإِنَّهُ لَهُ تَحْرِيم وَتَحْلِيل كَمَا قَالَهُ بَعْض أَصْحَاب أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَفِيهِ وَجْه أَنَّهُ يُتَشَهَّد لَهُ وَهَذَا حَقِيقَة الصَّلَاة وَالْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب أَحْمَدَ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يسلم له وقال عطاء وبن سِيرِينَ إِذَا رَفَعَ رَأْسه يُسَلِّم وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِقَوْلِهِ تَحْرِيمهَا التَّكْبِير وَتَحْلِيلهَا التَّسْلِيم قَالُوا وَلِأَنَّهُ يَفْعَل تَبَعًا للامام ويعتبر أن يكون القارىء يَصْلُح إِمَامًا لِلْمُسْتَمِعِ وَهَذَا حَقِيقَة الصَّلَاة قَالَ الْآخَرُونَ لَيْسَ مَعَكُمْ بِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَة لَهُ كِتَاب وَلَا سُنَّة وَلَا إِجْمَاع وَلَا قِيَاس صَحِيح وَأَمَّا اِسْتِدْلَالكُمْ بِقَوْلِهِ تَحْرِيمهَا التَّكْبِير وَتَحْلِيلهَا التَّسْلِيم فَهُوَ مِنْ أَقْوَى مَا يُحْتَجّ بِهِ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ أَئِمَّة الْحَدِيث وَالْفِقْه لَيْسَ فِيهِمْ أَحَد قط نقل عن النبي وَلَا عَنْ أَحَد مِنْ أَصْحَابه أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْهُ وَقَدْ أَنْكَرَ أَحْمَدُ السَّلَام مِنْهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَكَانَ أَحْمَدُ لَا يَعْرِف التَّسْلِيم فِي هَذَا وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَيَذْكُر نَحْوه عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَكَذَلِكَ الْمَنْصُوص عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُسَلِّم فِيهِ وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا يُسَلَّم مِنْهُ إِنَّمَا اِحْتَجُّوا بقول النبي وَتَحْلِيلهَا التَّسْلِيم وَبِذَلِكَ اِحْتَجَّ لَهُمْ إِسْحَاقُ وَهَذَا استدلال ضعيف فإن النبي وَأَصْحَابه فَعَلُوهَا وَلَمْ يُنْقَل عَنْهُمْ سَلَام مِنْهَا وَلِهَذَا أَنْكَرَهُ أَحْمَدُ وَغَيْره وَتَجْوِيز كَوْنه سَلَّمَ مِنْهُ وَلَمْ يُنْقَل كَتَجْوِيزِ كَوْنه سَلَّمَ مِنْ الطَّوَاف قَالُوا وَالسُّجُود هُوَ مِنْ جِنْس ذِكْر اللَّه وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَالدُّعَاء وَلِهَذَا شُرِعَ فِي الصَّلَاة وَخَارِجهَا فَكَمَا لَا يُشْتَرَط الْوُضُوء لِهَذِهِ الْأُمُور وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَجْزَاء الصَّلَاة فَكَذَا لَا يُشْتَرَط لِلسُّجُودِ وَكَوْنه جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهَا لَا يُوجِبُ أَنْ لَا يُفْعَل إِلَّا بِوُضُوءٍ واحتج البخاري بحديث بن عباس أن النبي سَجَدَ بِالنَّجْمِ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنّ وَالْإِنْس وَمَعْلُوم أَنَّ الْكَافِر لَا وُضُوء لَهُ قالوا وأيضا فالمسلمون الذين سجدوا معه لم ينقل أن النبي أَمَرَهُمْ بِالطَّهَارَةِ وَلَا سَأَلَهُمْ

1 / 67