عون المعبود شرح سنن أبي داود

محمد شمس الحق العظيم آبادي ت. 1329 هجري
52

عون المعبود شرح سنن أبي داود

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤١٥ هجري

مكان النشر

بيروت

وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرُ وَسَمَّى النَّبِيُّ ﷺ الطُّهُورَ مِفْتَاحًا مَجَازًا لِأَنَّ الْحَدَثَ مَانِعٌ مِنَ الصَّلَاةِ فَالْحَدَثُ كَالْقُفْلِ مَوْضُوعٌ عَلَى الْمُحْدِثِ حَتَّى إِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّ الْغَلْقُ وَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ بَدِيعَةٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا النُّبُوَّةُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ الصَّلَاةُ لِأَنَّ أَبْوَابَ الجنة مغلقة يفتحها الطاعات وركن الطاعات الصلاة قاله بن الْعَرَبِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مِنْ مَاءٍ أَوْ تُرَابٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالنَّافِلَةِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ مِنْ قَوْلِهِمَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَهَذَا مذهب باطل ــ [حاشية ابن القيم، تهذيب السنن] هُوَ مُطْلَق وَإِذَا عُرِفَ هَذَا ثَبَتَ أَنَّ الصَّلَاة لَا يُمْكِن الدُّخُول فِيهَا إِلَّا بِالطَّهُورِ وَهَذَا أَدَلّ عَلَى الِاشْتِرَاط مِنْ قَوْله لَا يَقْبَل اللَّه صَلَاة أَحَدكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدهمَا أَنَّ نَفْي الْقَبُول قَدْ يَكُون لِفَوَاتِ الشَّرْط وَعَدَمه وَقَدْ يَكُون لِمُقَارَنَةِ مُحَرَّم يَمْنَع مِنْ الْقَبُول كَالْإِبَاقِ وَتَصْدِيق الْعَرَّاف وَشُرْب الْخَمْر وَتَطَيُّب الْمَرْأَة إِذَا خَرَجَتْ لِلصَّلَاةِ وَنَحْوه الثَّانِي أَنَّ عَدَم الِافْتِتَاح بِالْمِفْتَاحِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَحْصُل لَهُ الدُّخُول فِيهَا وَأَنَّهُ مَصْدُود عَنْهَا كَالْبَيْتِ الْمُقْفَل عَلَى مَنْ أَرَادَ دُخُوله بِغَيْرِ مِفْتَاح وَأَمَّا عَدَم الْقَبُول فَمَعْنَاهُ عَدَم الِاعْتِدَاد بِهَا وَأَنَّهُ لَمْ يُرَتَّب عَلَيْهَا أَثَرهَا الْمَطْلُوب مِنْهَا بَلْ هِيَ مَرْدُودَة عَلَيْهِ وَهَذَا قَدْ يَحْصُل لِعَدَمِ ثَوَابه عَلَيْهَا وَرِضَا الرَّبّ عَنْهُ بِهَا وَإِنْ كَانَ لَا يُعَاقِبهُ عَلَيْهَا عُقُوبَة تَارِكهَا جُمْلَة بَلْ عُقُوبَة تَرْك ثَوَابه وَفَوَات الرِّضَا لَهَا بَعْد دُخُوله فِيهَا بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَفْتَحهَا أَصْلًا بِمِفْتَاحِهَا فَإِنَّ عُقُوبَته عَلَيْهَا عُقُوبَة تَارِكهَا وَهَذَا وَاضِح فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ فِي الْحَدِيث حُجَّة لِمَنْ قَالَ إِنَّ عَادِم الطَّهُورَيْنِ لَا يُصَلِّي حَتَّى يَقْدِر عَلَى أَحَدهمَا لِأَنَّ صَلَاته غَيْر مُفْتَتَحَة بِمِفْتَاحِهَا فَلَا تُقْبَل مِنْهُ قِيلَ قَدْ اِسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ وَلَا حُجَّة فِيهِ وَلَا بُدّ مِنْ تَمْهِيد قَاعِدَة يَتَبَيَّن بِهَا مَقْصُود الْحَدِيث وَهِيَ أَنَّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّه تَعَالَى وَرَسُوله أَوْ جَعَلَهُ شَرْطًا لِلْعِبَادَةِ أَوْ رُكْنًا فِيهَا أَوْ وَقْف صِحَّتهَا عَلَيْهِ هُوَ مُقَيَّد بِحَالِ الْقُدْرَة لِأَنَّهَا الْحَال الَّتِي يُؤْمَر فِيهَا بِهِ وَأَمَّا فِي حَال الْعَجْز فَغَيْر مَقْدُور وَلَا مَأْمُور فَلَا تَتَوَقَّف صِحَّة الْعِبَادَة عَلَيْهِ وَهَذَا كَوُجُوبِ الْقِيَام وَالْقِرَاءَة وَالرُّكُوع وَالسُّجُود عِنْد الْقُدْرَة وَسُقُوط ذَلِكَ بِالْعَجْزِ وَكَاشْتِرَاطِ سَتْر الْعَوْرَة وَاسْتِقْبَال الْقِبْلَة عِنْد الْقُدْرَة وَيَسْقُط بِالْعَجْزِ وقد قال لَا يَقْبَل اللَّه صَلَاة حَائِض إِلَّا بِخِمَارٍ وَلَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا الْخِمَار صَلَّتْ بِدُونِهِ وَصَحَّتْ صَلَاتهَا وَكَذَلِكَ قَوْله لَا يَقْبَل اللَّه صَلَاة أَحَدكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأ فَإِنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُضُوء صَلَّى بِدُونِهِ وَكَانَتْ صَلَاته مقبولة وكذلك قوله لا تجزىء صَلَاة لَا يُقِيم الرَّجُل فِيهَا صُلْبه فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود فَإِنَّهُ لَوْ كُسِرَ صُلْبه وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ إِقَامَته أَجْزَأْته صَلَاته وَنَظَائِره كَثِيرَة فَيَكُون الطَّهُور مِفْتَاح الصَّلَاة هُوَ مِنْ هَذَا

1 / 60