وأجهش قدري في البكاء واشتدت قبضة أبيه. إذن قتل همام، زهرة العمر وحبيب الجد، كأنه لم يكن، لولا الألم المفترس ما صدقت.
وبلغا الصخرة الكبيرة فسأله أدهم بصوت غليظ: أين تركته يا مجرم؟
فسار قدري نحو الموضع الذي حفره لأخيه، ووقف عنده فيما بين الصخرة والجبل. وتساءل أدهم: أين أخوك؟ لا أرى شيئا.
فقال قدري بصوت لا يكاد يسمع: هنا دفنته.
فصاح أدهم: دفنته؟!
وأخرج من جيبه علبة ثقاب وأشعل عودا تفحص الموضع على ضوئه حتى رأى قطعة من الأرض قلقة المستوى، كما رأى مسحب الجثة الذي انتهى عندها. تأوه أدهم من الألم. وراح يزيح التراب بيدين مرتعشتين. وواصل عمله في جو رهيب حتى مست أصابعه رأس همام. وغرز يديه إلى ما تحت إبطيه وسحب الجثة في رفق. وجثا على ركبتيه إلى جانبها واضعا يديه على رأسه، مغمض العينين، مثالا للتعاسة والخيبة. وزفر من أعماقه، ثم غمغم: إن حياة أربعين عاما من العمر تبدو سخفا سقيما أمام جثتك يا بني.
وقام بغتة، ونظر نحو قدري وهو يقف أمام الجثة من الناحية الأخرى، فعانى لحظات كراهية عمياء، وقال بصوت غليظ: سيعود همام إلى الكوخ محمولا على عنقك.
فجفل قدري متراجعا، ولكن الرجل سارع إليه دائرا حول الجثة ثم قبض على منكبه وهتف: احمل أخاك!
فقال قدري بصوت كالأنين: لا أستطيع! - إنك استطعت قتله. - لا أستطيع يا أبي! - لا تقل «أبي»، قاتل أخيه لا أب له، لا أم له، لا أخ له. - لا أستطيع!
فشد قبضته عليه وقال: على القاتل أن يحمل ضحيته!
صفحة غير معروفة